عيد موكا .. حكاية البن اليمني العابر للحدود
تتزايد الأصوات اليمنية الداعية لإعادة إحياء زراعة البن اليمني الذي ذاع صيته حول العالم قديما، واليوم أصبحت زراعة البن ثانوية في ظل توجه اليمنيين لزراعات أخرى، ووسط الحرب والأزمات الإنسانية والاقتصادية، انبثقت مبادرات شبابية ومجتمعية تعيد التذكير بالإرث الزراعي العتيق في اليمن.
ويحاول بعض الناشطين الاجتماعيين في اليمن إحياء زراعة البن والتشجيع عليها، وتم تحديد يوم الثالث من مارس من كل عام يوما وطنيا للاحتفاء بزراعة البن تحت شعار “عيد موكا”.
كان البن اليمني بمثابة العملة المحلية الوحيدة العابرة الحدود والقارات، التي عرفت العالم به، وعرف العالم من خلاله اليمن، وصدّر اليمن القهوة في القرن الخامس عشر، وعرف بـ”موكا”، وهي تحريف لهجي لـ”قهوة المخاء” نسبة إلى ميناء المخاء المطل على البحر الأحمر، الذي يعد أول ميناء انطلقت منه سفن تجارة وتصدير البن إلى أوروبا، وباقي أنحاء العالم.
ويشتهر البن اليمني بمذاقه الفريد وغناه بمكوناته التي منحته شهرة واسعة ميّزته عن باقي أنواع البن التي تزرع وتنتج في بلدان العالم الأخرى، وكان للمناخ المعتدل على مدار العام، وتنوّع تضاريس اليمن الدور البارز في جودة إنتاج البن، فضلاً عن المهارة التي أبداها المزارع اليمني في هذا المجال أباً عن جد.
تاريخ عريق
بحسب مصادر تاريخية، انتقلت زراعة البن من إثيوبيا إلى اليمن في وقت مبكر، وكان علي عمر الشاذلي هو أول من جلب البن إلى اليمن وأعد منه مشروب القهوة، أما أول من زرع البن في اليمن فهو جمال الدين الذبحاني، وذلك بحسب ما ذكر في كتاب (عمدة الصفوة في حل القهوة) للحنبلي.
تم شراء أول شحنة من القهوة اليمنية Mocka Coffee من قبل الهولنديون، من ميناء المخا في العام 1628. وقد زاد الطلب والمنافسة على البن اليمني بين الشركات الفرنسية، البريطانية والهولندية خلال فترة خمسينيات القرن السابع عشر للميلاد.
ووصل أعلى إنتاج للبن العربي اليمني Coffea Arabica في العام 1720، بعد إنشاء الهولنديون مصنعاً للبن في منطقة المخا سنة 1708، وبدأوا بتصديره. وبعد سنة أنشئ الفرنسيون مصنعاً آخر للبن في مدينة المخا سنة 1709، وخلال تلك الفترة شهدت موانئ: المخا، الحديدة، واللحُية حركة كبيرة لتجارة البن.
وتكشف دراسة تاريخية حول “العلاقات اليمنية الامريكية 1904” للباحث محمود هملان، أن السفن التجارية الأمريكية نقلت من ميناء المخا، في مطلع القرن التاسع عشر، حوالي ثلاثة أرباع الإنتاج من القهوة اليمنية، قبل نشوء أي علاقات دبلوماسية أو تجارية بين البلدين.
وفي العام 1809، رفعت المنافسة الأمريكية لأسعار البن اليمني، الأسعار التي كانت سائدة لدى شركة الهند الشرقية EIC، من مبلغ 56 دولاراً (نحو 12 جنيه إسترليني) لثمن البالة (كيس القماش الضخم) إلى مبلغ 70 دولاراً (15 جنية إسترليني) آنذاك.
وقد طوّر تجار نيو انجلند New England، طريق التجارة إلى البحر الأحمر على طول الساحل الشرقي لأفريقيا، بعد الدوران على رأس الرجاء الصالح. مما وفر عليهم ذلك أجور الشحن التي أضيفت الى الكلفة التجارية التي تم فرضها من قبل شركة الهند الشرقية.
وخلال الفترة من يونيو/حزيران 1812 حتى فبراير/شباط 1815، انخفضت تجارة البن اليمني، وتراجعت عمليات تصديره إلى أدنى مستوياتها، بسبب إعلان الولايات المتحدة الامريكية الحرب على بريطانيا.
وفي العام 1832، كانت القهوة اليمنية، وأوراق السنا، والجلود، واللبان، هي المواد الرئيسية التي يشتريها التجار الأمريكيون من ميناء المخا. وفي المقابل، يقوم هؤلاء التجار بالتخلص من سلع القطن الأمريكية بأرباح صغيرة ويبيعونها على تجار المخا. بحسب ما دونته مذكرات الرحلات التي قام بها جوزيف بارلو فيلت، الى موانئ عدن والمخا في منتصف القرن الـ19.
كيف تدهورت زراعة البن؟
في الوقت الراهن، تبدو زراعة البن اليمني متدهورة عما كانت عليه، ولم تعد قهوة موكا تحتكر أسواق العالم. لقد تغير اهتمام المزارعين اليمنيين نحو شجرة القات، وقد تقلصت ثلثي مساحة زراعة البن محلياً عما كانت عليه في العقود الماضية. نتيجة الإهمال الحكومي.
تشير وزارة الصناعة والتجارة، إلى أن زراعة البن اليمني حتى منتصف القرن الـ 20، كانت تنتشر في المدرجات الزراعية على المرتفعات الجبلية، وكانت حينها مساحة زراعة البن تصل إلى أكثر من 110 ألف هكتار. وأن الإنتاج كان قد وصل إلى حوالي 55 ألف طن. في حين أن كمية تصدير البن اليمني وصلت إلى أكثر من 44 ألف طن سنوياً، حيث كان ذلك قبل الـ 60 عام الماضية.
اليوم، وبحسب احصاءات الزراعة اليمنية للعام 2019، فإن مساحة زراعة البن تقدر بحوالي 34 ألف هكتار فقط، ويبلغ حجم الإنتاج السنوي قرابة 20 ألف طن من البن. في حين لا تتعدى نسبة ما يُصدر من البن اليمني حالياً 0.1 %، وتتراوح كمية التصدير في حدود يتراوح ما بين 3000 – 4000 آلاف طن سنوي. وتحتل اليمن المركز 42 عالمياً في تصدير البن من بين 64 دوله حول العالم.
المصدر | يمن ستوري/القصة الكاملة