“خالد” .. مأساة يمني سلبت الحرب عينيه و شردته من منزله

كان “خالد” يعمل على دراجته النارية ليعيل طفلتيه وزوجته وأمه وإخوته، قبل أن يتعرض لإصابة بالغة نتيجة غارة جوية لطيران التحالف العربي في أحد شوارع مدينة حجة، التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثي)، استهدفت الغارة تجمعا للحوثيين لكنها وضعت نهاية لبصر خالد بسبب الشظية التي أصابته.

ويعيش اليمنيون مأساة جراء الحرب الدائرة لكن مأساة خالد الكبيرة ولدت هنا، فالحوثيون علموا بإصابته واتهموه بالخيانة والتعاون مع التحالف في تحديد الموقع الذي تعرض لهجوم جوي، وبدأوا بالبحث عنه بغية اعتقاله إلى جانب بمئات الأبرياء الذين وضعوا في السجون ويتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، بتهمة التخابر مع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.

النزوح بحثا عن الأمان والعلاج

تمكن أقارب ” خالد البغومي” من تهريبه وإخفاءه لتلقي العلاج في مكان آمن حينها، لكن خالد لم يكن يعلم بأن إصابته أفقدته بصره والى الأبد ولن يرى النور مجددا، كما لم يكن يعلم بأنه أصبح ملاحقا ومطلوبا فقد استمر مسلسل البحث عنه عدة أشهر، حتى تمت عملية تهريبه الى مدينة مأرب شرقي البلاد والتي قرر النزوح إليها بحثا عن الأمان والعلاج، وتلك رحلة شاقة استغرقت 30 ساعة مرورا بخمس محافظات يمنية وعشرات الحواجز العسكرية.

يؤكد خالد لـ “يمن ستوري” أ أنه نجح في الوصول إلى مدينة مأرب لكن فصلا جديدا من المعاناة كان بانتظاره فلم يجد مأوى له ولاطفاله فمخيمات النازحين مكتظة بالآلاف، وإيجارات المنازل باهضة نتيجة تدفق ملايين اليمنيين إلى مأرب، حيث تبلغ تكلفة إيجار الغرفة الواحدة ما يساوي 100 دولار أمريكي شهريا، أما إيجار الشقة الكاملة فقد يتجاوز 300 دولار.

آل الأصنج .. نافذة أمل

وبعد أيام عصيبة لاح الأمل لخالد من بعيد عندما علم أن هناك عائلة مأربية في قلب الصحراء، تبعد عن مدينة مأرب عشرات الكيلوهات باتت مأوى للعابرين تستقبل النازحين في منزلها حتى يتم إيوائهم في خيام قريبة من البيت، الذي باتت تطوقه خيم النازحين من كل جانب، في مشهد يجسد كرم القبائل اليمنية ويبين نبل الأعراف المأربية الأصيلة.

استقبل الشيخ علي الأصنج وابنه مبخوت بكل حفاوة وترحاب أسرة خالد كما هي عادته مع ٩٩ أسرة، سبق وأن أسكنهم في مضافتهم التي سكنت جميع الأسر النازحة فيها من قبل، لقد استقبل آل الأصنج 100 أسرة نازحة وتمكنوا من إيوائهم بكل كرم وترحاب وأسكنوهم خياما بجانب منزلهم، وسخروا سياراتهم لخدمة النازحين والفارين من جحيم الحرب، لتقدم أسرة آل الأصنج للنازحين ما لم تقدمه الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية بكل مؤسساتها.

ويقول الشيخ الأصنج لـ “يمن ستوري” نحن لا نترك المستجير بدون منزل، ولا نستغل حاجة النازح برفع تكاليف العيش عليه.

وتمكن خالد من الوصول الى مستشفى الهيئة بمأرب، ليخبره الطبيب بأنه فقد بصره كليا بسبب الإصابة البالغة، ليحبس حزنه ويرضى بما قسم له وبالواقع رغم ثقله ويعود الى منزله في ديار الأصنج الذين بنوا له مأوى مؤقت بجوار منزلهم، لكن ذلك لن يكفي فلا زال ملايين اليمنيين يتسائلون عن موعد نهاية الحرب ورحلة الشتات، من أجل العودة إلى منازلهم الاصلية.

أرقام مفزعة

وتحولت مدينة مأرب الصغيرة شمال شرقي صنعاء إلى قبلة للنازحين، وقد بدأ كثيرون حياة جديدة منذ نحو أربع سنوات، المدينة التي استقبلت مئات آلاف من اليمنيين الهاربين من الحرب من محافظات مختلفة، باتت تتوسع بشكل كبير، وبعدما كان عدد سكانها لا يتجاوز 348 ألف نسمة يقطنون في 477 قرية ضمن 14 مديرية، تجاوز عدد السكان اليوم المليونين، وذلك خلال أربع سنوات فقط، منذ بدء اندلاع المعارك العسكرية في البلاد، في مارس 2015.

وتواجه السلطات المحلية صعوبات تتعلق بالخدمات المطلوب تقديمها للسكان المحليين والنازحين إليها، فالبنى التحتية التي أنشئت قبل الحرب كانت مخصصة لعدد محدود من السكان، واستقبلت المدينة أكثر من مليون و300 ألف نازح من مختلف المحافظات اليمنية خلال السنوات الثلاث الأخيرة يتوزع معظمهم على أربعة مخيمات فقط، بحسب تقرير حكومي.

وبلغت أعداد النازحين في اليمن عام 2017 مليونين وثلاثمائة وخمسين ألف شخص، لكن العدد ارتفع في 2018 إلى 3 ملايين وثمانمائة وخمسين ألف شخص، بزيادة مليون وخمسمائة ألف شخص، أي قرابة 60 في المائة، بحسب الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في اليمن، التابعة للحكومة.

المصدر| يمن ستوري/ محمد عبدالكريم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى