أبوبكر سالم .. العندليب وفنان اليمن التاريخي
يوافق اليوم رحيل فنان اليمن التاريخي، أبوبكر سالم بلفقيه، الذي توفي في الرياض في المملكة العربية السعودية يوم الأحد 10 ديسمبر 2017 الموافق 22 ربيع الأول 1439 هـ بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 78 عاماً.
لقب الفنان بلفقيه بلقب ابو السبع حناجر كما أسمته الراحلة رباب، وحصل على جائزة من اليونيسكو كأحسن صوت ولفرادة وتميز طبقاته الساحرة وقدرته المذهلة على التنقل بينها بشكل سلس، هو أبو الفنانين أبو بكر سالم بلفقيه.
ولد أبوبكر بن سالم بن زين بن حسن بلفقيه في 17 مارس 1939 بمدينة تريم في حضرموت. ونشأ في أسرة معروفة بالعلم والأدب في رعاية جده وعدد من أعمامه، وذلك بعد وفاة والده وهو في عامه الأول، فدرس القرآن الكريم ومبادئ العلوم على يد عدد من أقاربه، ثم التحق بمدرسة (الإخوة) في مدينة تريم، ثم عمل مدرسا لمادة اللغة العربية في مدينة تريم، ثم في مدينة عدن، ثم اتجه نحو الغناء والطرب، ومارس إلى جانب ذلك عددا من الأعمال التجارية. تميز بجمال صوته في فترة مبكرة من عمره، فكان يؤذن ويردد تكبيرات العيدين في بعض مساجد مدينة تريم، وكان يشارك بعض أعمامه في إنشاد بعض الموشحات الدينية في عدد من الحفلات.
سمي أبوبكر سالم تيمنا بجده العلامة أبوبكر بن شهاب أبرز علماء حضرموت. عاش أبوبكر طفولته يتيما حيث توفي والده وهو ابن ثمانية أشهر واحتضنه جده الشيخ زين بن حسن، تلقى أبوبكر تعليمه على يد أكبر علماء حضرموت واتم دراسته في علوم الفقه والدين وحفظ أجزاء من القرآن الكريم وهو في سن الثالثة عشرة وقد اظهر تفوقا ملحوظا في علوم اللغة العربية والشعر وظهرت مواهبه الفنية منذ صباه. اشتهر في صباه كمنشد للأناشيد والموشحات الدينية بالإضافة إلى أنه كان مُولعاً بالأدب والشعر إلى جانب حبه الكبير للغناء الذي ما رسه بشكل رسمي بعد الانشاد.
في فترة العشرينات من عمره عمل أبوبكر في حـقـل التعليم لمدة ثلاث سنوات فهو خريج معهد إعداد المعلمين وأظهر تفوقاً في الأدب والشعر وكان أحد المعلمين المتميزين في مادة النحو كما أن مواهبه الشعرية ظهرت في بداية شبابة حيث كتب أول أغنية له من كلماته وهي يا ورد محلا جمالك بين الورود ولديه ديوان شعري وقد سماه ديوان شاعر ويحتوي القصائد التي غناها وقصائد مغناه لفنانين آخرين.
غادر أبوبكر تريم في مقتبل شبابه واستقر في مدينة عدن في الخمسينات وهناك تعرف بالكثير من شعرائها وفنانيها وإعلاميين من امثال الشاعر لطفي جعفر امان والفنان احمد بن احمد قاسم و محمد سعد عبد الله ومحمد مرشد ناجي والشاعر والإعلامي فضل النقيب وغيرهم. وقدم أبوبكر نفسه على الصعيد الفني من خلال الحفلات الموسمية التي كانت تُقام في عدن، وحقق نجاحا باهرا ليفتح له الحظ أبوابه وتعرض حفلاته مسجلة ومباشرة في تلفزيون عدن، ثم الإذاعة التي بشرت بقدوم موهبة غير عادية. وكانت من أوائل اغانيه “يا ورد محلا جمالك” من كلماته والحانه وسجلها في اذاعه عدن عام 1956م والتي غناها بعد ذلك الفنان طلال مداح.
وفي عام 1958 غادر إلى بيروت، وكانت اقامته شبه مستقرة هناك في حي الروشة وسجل معظم اعماله الفنية في تلك الحقبة هناك، واستطاع من بيروت ان يوسع انتشاره إلى جميع أنحاء الوطن العربي إلا أنه غادر بيروت في منتصف السبعينات بسبب الحرب الاهلية وعاد إلى وطنه واستقر في عدن مدة قصيرة وانتقل إلى الكويت فعاش فيها مدة، وغادرها ليستقر بعدها في الرياض و يحصل على الجنسية السعودية، وغنى للسعودية عددًا من الأغاني مثل: يا مسافر على الطائف، وإلا معك في الرياض، وبرج الرياض، ويا بلادي واصلي، كما غنى لكل من الملكين خالد بن عبد العزيز وفهد بن عبد العزيز.
تميز الفنان أبوبكر سالم بثقافة عالية انعكست وعيا فنيا واسعا في تجربته الطويلة، كما تميز بعذوبة صوته، وتعدد طبقاته بين القرار والجواب، وبالقدرة على استبطان النص وجدانيا بأبعاده المختلفة فرحا وحزنا، كما تميز بقدرته على أداء الألوان الغنائية المختلفة مثل اللون الصنعاني والحضرمي والعدني والدان الحضرمي مع شاعر حضرموت الكبير حسين أبو بكر المحضار وشعراء وملحنين آخرين، كما قدم بعض الأغاني ذات الطابع العدني والصنعاني من كلمات لطفي أمان ومحمد عبده غانم وآخرين. إلا أن اللون الحضرمي يعتبر اللون الخاص والمفضل لأبو بكر حيث ساهم أبو بكر فيما عرف بعد ذلك بالأغنية الخليجية حيث أدخل تفاصيل اللون الحضرمي والدان الحضرمي إلى الأغنية الخليجية واستفاد من التقارب بين اللهجة الخليجية والحضرمية لينتج بعد ذلك الأغنية الخليجية التي تعتمد كثيرًا على اللون الحضرمي.
تزوج أبوبكر عندما كان في مدينة عدن من بيت آل عرفان وهي اسرة حضرمية كانت تقيم في عدن وأنجب ابنه أديب وابنتين هما أنغام وأالحان. كما تزوج أبوبكر أيضا عندما استقر في السعودية من بيت آل العطاس وهي أسرة حضرمية أيضا تحمل الجنسية السعودية وانجب أصيل وأحمد وأليف. وأصيل الذي سار أيضا في طريق الفن واجاد الغناء باللهجة الخليجية.