ذوو الإعاقة في اليمن..قصص المعاناة وفصول الحرمان
أدت الحرب المستمرة في اليمن منذ نحو 5 سنوات، إلى فقدان آلاف اليمنيين أطرافهم، حيث تشير التقارير إلى أن عدد الأشخاص المصابين بإعاقة قد بلغ 6,000 شخص أغلبهم بسبب انفجار أو لغم أو طلقة نارية، وأصبحت هذه الإصابات شائعة بصورة متزايدة في أوقات الحرب.
ونظراً لتدهور الخدمات الصحية، وإغلاق نحو 50% من المراكز الصحية، فإن تلقي آلاف المصابين بإعاقات للعلاج في اليمن، لم يكن مجدياً، وبالتالي تضاعفت آلام الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، وأصبحوا أمام واقع “التعايش مع الإصابة”.
في اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة قالت منظمة العفو الدولية إن ملايين الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة في اليمن قد تحمَّلوا سنوات من النزاع المسلح، بل وكانوا من أكثر الفئات تعرضاً للإقصاء في غمار تلك الأزمة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
جاء ذلك في تقرير جديد نُشر بعنوان: “مستبعدون: حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وسط النزاع المسلح في اليمن”، ويُعتبر التقرير محصلة ستة أشهر من البحوث التي أجرتها المنظمة، بما في ذلك زيارات لثلاث محافظات في جنوب اليمن، ومقابلات مع حوالي 100 شخص، وهو يوثِّق حالات 53 من النساء والرجال والأطفال ذوي الإعاقة على اختلاف أنواعها.
وقالت راوية راجح، كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات لدى منظمة العفو الدولية: “لقد اتسمت الحرب في اليمن بهجمات غير مشروعة، وبعمليات نزوح، وبندرة الخدمات الأساسية، مما جعل الكثيرين يقاسون الشدائد من أجل البقاء على قيد الحياة؛ وصحيح أن المتطلبات تفوق طاقة العمليات الإنسانية، ولكن الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين هم أصلاً من أكثر الفئات تعرضاً للخطر وسط النزاع المسلح، ينبغي ألا يواجهوا صعوبات أكبر في الحصول على المساعدات الأساسية”.
ومضت راوية راجح قائلةً: “ينبغي على الجهات الدولية المانحة، والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية العاملة مع السلطات اليمنية، أن تبذل مزيداً من الجهد للتغلب على المعوقات التي تحول دون حصول الأشخاص ذوي الإعاقة حتى على أبسط احتياجاتهم الأساسية”.
يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبات مضاعفة في الفرار من العنف، وقد ذكر كثيرون منهم للمنظمة أنهم قطعوا رحلات النزوح الشاقة دون أن يكون لديهم مقاعد متحركة أو عكاكيز، أو غيرها من الأدوات المساعدة، وكان جميعهم تقريباً يعتمدون على أهاليهم أو أصدقائهم.
وفي الحالات التي تمكن فيها أشخاص من ذوي الإعاقة من الفرار، كانت رحلات النزوح تؤدي في كثير من الأحيان إلى مزيد من تدهور حالاتهم الصحية أو إعاقتهم، كما أُصيب بعض الأشخاص بإعاقات، وكان السبب في بعض الأحيان هو أن الأطراف المتقاتلة لم توجِّه تحذيرات فعَّالة من الهجمات التي تؤثر على المدنيين.
وفي مخيمات النازحين، لاحظت “منظمة العفو الدولية” عدداً من أوجه القصور في التصميم، والتي تؤثر على الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن بينها أوجه قصور في تصميم المراحيض، وكذلك في مواقع نقاط توزيع المساعدات، مما يؤدي في الحالتين إلى تجريد الأشخاص ذوي الإعاقة من استقلاليتهم وكرامتهم، حيث يُضطرون إلى الاعتماد على أفراد عائلاتهم أو على آخرين.
يُعتبر اليمن من الدول الأطراف في “اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، ولديه قوانين تهدف إلى حماية الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، والبالغ عددهم ما لا يقل عن أربعة ملايين ونصف المليون نسمة أي حوالي 15 في المائة من عدد السكان، وفقاً لتقديرات “منظمة الصحة العالمية”، وهناك ندرة شديدة في البيانات الموثوقة، ويعتقد بعض الخبراء أن عدد أولئك الأشخاص أكثر من ذلك، بالنظر إلى تأثير النزاع الجاري.
وقد تأثر قطاع الرعاية الصحية العامة والضمان الاجتماعي تأثراً شديداً بالحرب في اليمن وبالانهيار الاقتصادي، مما أدى إلى تقاعس متواصل عن ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويعتمد كثير من هؤلاء الأشخاص على الصدقات أو يعيلون أنفسهم، وسقط بعضهم في هوة الفقر مما جعلهم عاجزين عن شراء المتطلبات الأساسية.
وهناك أيضاً نقص شديد في الأدوات المساعدة، حيث يستخدم الأشخاص ذوي الإعاقة هذه الأدوات غير الملائمة للغرض في كثير من الأحيان مثل الكراسي التي لاتتناسب مع التضاريس الوعرة في مخيمات النازحين.
وكان من شأن النزاعات المتكررة في اليمن أن تؤدي إلى أزمة في الصحة العقلية، حيث تعرَّض عدد كبير من السكان، وبينهم كثير من الأطفال، لصدمات شديدة، وقد عاصر اليمنيون في منتصف العشرينات من العمر 14 نزاعاً مسلحاً على مدار حياتهم؛ ورغم من ذلك، لا يتوافر أي دعم نفسي، حيث لا يوجد في البلاد كلها سوى 40 طبيباً نفسياً، ومعظمهم يقيمون في المدن.
تقول رشا محمد، الباحثة في شؤون اليمن بمنظمة العفو الدولية، إن الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم يطالبون عن حق بألا تُتخذ أية قرارات بشأنهم بدون مشاركتهم، واليمن ليس استثناء، ويجب على الجهات الدولية المانحة أن تسارع بالوفاء بشكل كامل بتعهداتها فيما يتعلق بتمويل العمليات الإنسانية، وأن تبذل مزيداً من الجهد بما يكفل عدم تجاهل الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأضافت رشا محمد قائلةً: “هناك بعض الأعمال البسيطة نسبياً التي يمكن أن يكون لها أثر كبير في معالجة الثغرات القائمة، ومنها مثلاً السعي للحصول على بيانات ومعلومات ومداخلات بشكل مباشر من الأشخاص ذوي الإعاقة، وتقديم عدد أكبر وأكثر ملائمة لهم من الأدوات المساعدة والمناسبة.