فراشات اليمن .. حمى الضنك تقتل عشرات الأطفال العالقين بين خطوط القتال
لم تجد “ألين وشموخ وطيبة” والعشرات من رفاق طفولتهن مفرا من الموت، مع اجتياح وباء حمى الضنك بلدة يمنية صغيرة مكتظة بآلاف السكان والنازحين، العالقين بين خطوط القتال جنوب مدينة الحديدة، غربي اليمن.
وتحولت بلدة “الجراحي” إلى خيمة عزاء مفتوحة تودع كل يوم عددا من أطفالها وفتياتها الذين لم تقوى أجسادهم على مقاومة “حمى الضنك”، الوباء الذي يمكن علاجه لكنه تحول إلى وحش قاتل بفعل انهيار الخدمات الصحية، ووقوع البلدة بين خطوط القتال المشتعلة بين القوات الحكومية المدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية من جهة، ومسلحي جماعة أنصار الله الحوثيين من جهة أخرى.
أرقام رسمية للضحايا
يؤكد “تقرير رسمي” صادر عن مكتب الصحة في مديرية الجراحي، وفاة أكثر من 53 يمني خلال ثلاثة أسابيع فقط من شهري أكتوبر ونوفمبر الجاري، جراء تفشي حمى الضنك والملاريا في المديرية الخاضعة لسلطة الحوثيين، وتجاوز عدد المصابين بحمى الضنك خلال المدة ذاتها 2122 شخص، فيما أصيب 2961 بالملاريا، وتلك أرقام رسمية تم إحصائها ناهيك عن الضحايا الذين ماتوا دون أن يعلم بهم أحد.
تقع مديرية الجراحي التي يقدر عدد سكانها 50 ألف على الطريق الرابط بين محافظتي الحديدة وتعز، وسط جبهتي قتال مشتعلة تمنع السكان من الوصول إلى مراكز المدن الكبيرة لتلقي العلاج، الأولى جنوبا على بعد 20 كيلو متر مربع من خطوط القتال في بلدة حيس وتقطع طريق الوصول إلى تعز، ومن الشمال تبعد الجراحي نحو 100 كيلو من خطوط القتال في منطقة كيلو 16 المنفذ الشرقي لمدينة الحديدة، وتمنع السكان من الوصول إلى مركز المحافظة التي تعد محور الصراع المحتدم في اليمن.
تفاعل مجتمعي
وأثارت الصور القادمة من الجراحي لضحايا الضنك والملاريا معظمهم أطفال وفتيات، حالة من الحزن والفزع والاستياء في الشارع اليمني وشارك ناشطون في المدينة وخارجها على مواقع التواصل الإجتماعي تحت وسم #حمى_الضنك_تجتاح_الحديدة ، عشرات الصور للوفيات والمصابين الذين يفترشون الطرقات ومراكز طوارئ ميدانية صغيرة ومزدحمة، في مشهد يروي تفاصيل جائحة ما كان لها أن تكون لولا هذه الحرب المدمرة التي حولت اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
ونشر الناشط اليمني “بسيم الجناني” صورا لخمس فتيات في عمر الزهور قتلن بالوباء خلال يومين فقط، فيما نشر الصحفي والمصور “أحمد النعمي”، صورة طفلة وقد فارقت الحياة أمام عيني أمها بعد أن تقيأت الدم.
وفي مشهد مصور تحدث الناشط محمد الواصل من داخل مراكز الإسعاف في المدينة وهو يتلقى العلاج عن معاناته ومعاناة الأطفال خصوصا، وناشد المنظمات الدولية والجهات الحكومية لإنقاذ السكان العالقين بين فكي الحرب والوباء.
ونشر آخرون صورة طفلة في مدينة زبيد يحملها والدها على يديه وقد فارقت الحياة، يمضي بكل حرقة ليضعها في مثواها الأخير.
الفساد وغياب الانسانية
سلطات الحوثيين الصحية سارعت تحت وطأة الضغط المجتمعي في مواقع التواصل، ووجهت بعض الفرق الطبية للدخول إلى المدينة ومحاولة احتواء الوباء الذي بدأ بالتمدد نحو مدينة زبيد التاريخية والتي تبعد نحو 10 كيلو فقط من الجراحي، وتحدثت الجماعة عن عمليات تحقيق ومحاسبة للمسؤولين هناك.
لكن “مصادر مطلعة” تحدثت لـ يمن ستوري” عن فساد كبير في مكتب الصحة بالمحافظة، وراء تفاقم أزمة الجراحي وتفشي حمى الضنك، وأكدت أن منظمة الصحة العالمية قدمت للسلطات الصحية نحو 350 مليون ريال، لكن تلك المبالغ لم ترى النور.
وكشفت المصادر أن موظفي مكاتب الصحة باتوا يتلقون 10 ألف ريال يمني كل يوم بمسمى بدل إشراف، مقابل السماح بمشاريع إنسانية للمنظمات الدولية في المديريات الريفية.
وطالب ناشطون يمنيون بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين المتورطين في الانتشار الكبير والمفاجئ لحمى الضنك، وفشل السلطات في عمليات الرش والمكافحة للبعوض، ومعالجة المستنقعات المائية التي تفاقم انتشار الأوبئة، كما نشر صحفيون طرق الوقاية والحماية والعلاج للوباء للمساهمة بالدور التوعوي للسكان وتقليل الخسائر.
المصدر| يمن ستوري/القصة الكاملة