الرياضيون في اليمن.. وحكايات تحدّي الحرب
خلّفت الحرب اليمنية المستعرة في اليمن، منذ مارس 2015م، وضعًا مأساويًّا شمل مختلف شرائح المجتمع، ومنها شريحة الرياضيين الذين يعانون مثل بقية أفراد المجتمع من تداعيات هذه الحرب.. وفي خضم هذه المعاناة ثمة حكايات جديرة بالضوء لمن انتصر للحياة سواء بالاستمرار في الرياضة أم بالانتقال إلى عمل آخر استعان به على البقاء كلبنة (عناد) في جدار اليمن المقاوم للانهيار..
في هذا العدد نقف على حكايتين من حكايات أبطال الرياضة اليمنية في زمن الحرب، تتناول الأولى حكاية شاب تجاوز إحباط الواقع، وصار لاعبًا في أحد الأندية القطرية لكرة الطاولة بموازاة مشاركته المتميزة في منتخب بلاده للأشبال محققًا نتائج رائعة في ظروف صعبة تمر بها اليمن.. والحكاية الثانية لأحد أبطال لعبة الملاكمة في عدن لم يستسلم لظروف واقعه، وصار يعمل في مجال يخفف عليه وطأة تداعيات الحرب.
منذ أن وصل الدوحة للانظمام لفريق الأشبال لكرة الطاوله بنادي قطر، بتاريخ 17 مايو 2017م، حقق اللاعب اليمني الواعد إبراهيم جبران نتائج مميزة أكدت صوابية نظرة مَن حوله بموهبته وكفاءته كلاعب واعد.. جاء ذلك بعد أن نجح في حصد المركز الأول لبطولتي الدوري القطري وكأس اتحاد اللعبة لزوجي الأشبال لموسمي (2018و2019) مع ناديه القطري ليبدأ بعد ذلك مسيرته مع المنتخب اليمني للأشبال، وينجح في تحقيق نتائج رائعة أبرزها المركز الثالث لبطولة ومعسكر الأمل لدول العالم 2018 أسبانيا، وأضاف بطولة البحرين الدولية 2019م، فيما ارتفع تصنيفه الدولي من المركز (203 إلى 57) عالميًّا، بحسب التصنيف الدولي لشهر يناير الماضي.
كل تلك النتائج جاءت بفضل موهبته التي يمتلكها أولاً، ولتوفر البيئة المناسبة، والمتمثلة بأحدث الصالات الرياضية وأفضل الأدوات التدريبية وأكفأ الأجهزة الفنية والإدارية.. ذلك ما ساعد إبراهيم في صقل موهبته والسير بالاتجاه الصحيح للنجاح وتحقيق حلم طفولته مع كرة الطاولة، والذي كاد أن يندثر مع اندلاع الحرب المستعرة في اليمن في26/مارس/2015.. حرب أكلت الأخضر واليابس في البلد، وحطّمت مستقبل الكثيرين من أبناء الوطن، حرب لعينة تحمّل تبعاتها الكارثية المواطن البسيط، ومنهم إبراهيم الذي كاد حلمه الرياضي أن يضيع بسببها لتوقف الأنشطة الرياضة الداخلية وتجميد المشاركات الخارجية وتدمير المنشآت الرياضية، وخاصة الصالة الدولية لكرة الطاولة التي يمارس عليها اللاعبون تدريباتهم اليومية.
وفي خضم كل هذا الوجع ظل إبراهيم ككل اليمنيين يتضرع لله بأن تتوقف الحرب، أو أن ييسر له مخرجًا.. فاستجاب الله له متلقيًا دعوة من نادي قطر القطري للانخراط في اختبار لمدة ثلاثة أشهر، وفي حال نجاحه يتم قبوله كلاعب معهم. الدعوة جاءت عن طريق شقيقه فهد الذي يعمل مع النادي القطري كمدرب للناشئين والأشبال، والذي عرض ملف إبراهيم على رئيس جهاز كرة الطاولة بالنادي ليصل إبراهيم للدوحة في 17/5/2017م.
يقول إبراهيم: “لقد اعتبرتها فرصة عمري الوحيدة لتحقيق التطور في حياتي الرياضية، ومن ثم النجاح، خاصة في ظل الحرب الجاثمة على بلادي؛ فقررت خوض الاختبار تحت شعار “أكون أو لا أكون”، وبتركيز شديد وتشجيع كبير من شقيقي فهد وأسرتي في اليمن ومتابعة الاتحاد اليمني والرعاية الكبيرة من قِبل نادي قطر، واهتمام الأستاذ خالد الكواري – رئيس جهاز كرة الطاولة بالنادي تجاوزت فترة الاختبار بامتياز، وأصبحت لاعبًا في صفوف فريق أشبال كرة الطاوله بنادي قطر كلاعب مقيم بحسب قوانين الاتحاد القطري”… ليبدأ إبراهيم بذلك مهمته برغبة كبيرة وهمّة عالية من أجل تحقيق النجاحات والوصول للقمة، وهو ما بدأ بتحقيقه.. مؤكدًا أن اللاعب اليمني سيتفوق دون شك في حال توفر الإمكانات والبيئة المناسبة للنجاح.
ابن عدن
عندما اندلعت الحرب في اليمن توجس بطل لعبة الملاكمة رأفت عبده محسن – لاعب نادي شمسان، والمنتخبات الوطنية من آثارها المأساوية على كافة المواطنين، ومنهم الرياضين، فقد أُوقفت بسببها البطولات الرياضية الداخلية والمشاركات الخارجية ليجد نفسه دون عمل، ولا مصدر دخل، وتبدأ معاناته لتوفير متطلبات أسرته وضرورة مواصلة علاجه من انزلاق الفقرتين (الرابعة والخامسة) لعموده الفقري الذي تعرض له أثناء الاستعداد لبطولة المغرب الدولية للملاكمة العام 2014م، التي بدأ علاجها على نفقته الخاصة بمصر لعدم تعاون الوزارة والاتحاد.
يقول رأفت: “قرار توقفي عن مزاولة الملاكمة كان قاسيًا عليّ، ولكني اضطررت لذلك من أجل أسرتي وصحتي، وأنا حزين لاتخاذي هذا القرار، خاصة بعد أن اعتليت منصات التتويج بعشر ذهبيات وفضية وبرونزيتين ممثلاً لنادي شمسان ومنتخب عدن داخل الوطن وباسم اليمن نلت أربع ميداليات ملونة بواقع فضيتي بطولة الأردن الدولية وبرونزية بطولة سوريا الدولية وبرونزية بطولة المغرب للملاكمة”.
بروح الإصرار والتحدي استمدها من لعبة الملاكمة قرر بطلنا تغيير مسار حياته لتوفير متطلبات العيش الكريم له ولأسرته، وليتمكن من مواصلة علاجه، وبعد تفكير طويل اهتدى لإقامة مشروع خاص به تمثل في مطعم لوجبة الزربيان الشهيرة في اليمن، بعد أن تعلم فنون الطهي على يد صديقه الشيف العدني الشهير أحمد فؤاد… ليخوض بطلنا مغامرة جديدة تمثلت بافتتاح مطعمه بمدينة القاهرة المصرية لوجبة الزربيان المفضلة لدى الجالية اليمنية أولاً، ولكل محبي الأكل اليمني ثانيًا.. بهدف مواصلة علاجه بالقاهرة لعدم توفره باليمن.
يقول رأفت: “الحمدلله مسيرتي الرياضية الجيدة أكسبتني محبة الكثيرين، لذلك وجدت مَن يقف بجانبي لإنجاز مشروعي بدعم ومساندة خالد بيزع – نائب رئيس نادي شمسان، الذي دعمني ماديًّا ومعنويًّا بعد اختياري الموقع الكائن بمنطقة أرض اللواء – شارع أشرف السباعي”.
وبسرعة بدأ الملاكم بإنهاء النزال لمصلحته فعمل على تجهيز المطعم الذي أسماه (مطعم ابن عدن للزربيان) خلال فترة وجيزة ليبدأ العمل فيه بداية مارس الماضي.
والآن يواصل رأفت رعايته مشروعه إلى جانب مواصلة علاجه على نفقته الخاصة على أمل العودة لمزاولة رياضته المفضلة في قادم الأيام بعد شفائه…ليقدم بذلك درسا مفاده أن الحياة لا تتوقف مهما كانت العراقيل… كاتبًا بذلك حكاية جديدة من حكايات تحدّي اليمنيين للظروف وانتصارهم للحياة في زمن الحرب.
نقلا عن موقع (اليمني الأميركي)