“سحر” .. صورة حية لمعاناة 6 مليون امرأة وفتاة في اليمن
لسحر صوت منخفض النبرات، يغطي نقاب وجها أغلب انفعالاتها أثناء الحديث بينما تتحرك يديها باستمرار وكأنها تضع إطارًا منظورًا لهدوء كلماتها، لا تكفي النظرة الأولى لهدوئها الظاهري لتقدير القوة والشجاعة التي مكنتها من تحويل معاناتها الشخصية لخدمة مجتمعها الصغير في قلب أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
تحدثت سحر سالم في منزلها الصغير بعدن عن الحرب في اليمن، عن الخوف، وعن الدكاكين التي أقفلت أبوابها، والمخابز التي خلت من الخبز، والصنابير الصامتة التي افتقدت جريان المياه، تذكرت سحر أيضًا المستشفى الوحيد في المنطقة وبُعد المسافة الذي يحول أحيانًا دون قدرة الحوامل على الوصول للخدمة الطبية في حالات الطوارئ إلّا بعد فوات الأوان.
كما تحدثت سحر عن حياتها كعائل وحيدة لأسرتها المكونة من ابنتها الوحيدة، سندس، وأخيها وأمها، بعد تجربة مؤلمة انتهت بالطلاق من والد ابنتها. حلمت سحر في بداية حياتها أن تعمل كطبيبة ولكنها لم تحصل النتائج الدراسية المناسبة للالتحاق بكلية الطب، فاتجهت لمجال القبالة. لم تكن تعلم حينها أن مهنتها كقابلة مدربة ستصنع الفرق بين الموت والحياة بالنسبة لملايين النساء اليمنيات ممن فقدن قدرتهن على الوصول لخدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة بعد الحرب في اليمن.
تقول سحر: “أحيانًا تأتي النساء ليلدن دون أن يملكن المال لدفع ثمن الخدمة، ولكني أخبرهم أنه لا بأس، وأن الدفع ليس ضروريًا.”
ينبع تعاطف سحر من تجربتها الخاصة والصادمة حين أصيبت بالناسور الولادي أثناء ولادة ابنتها سندس، والناسور الولادي هو ثقب بين قناة الولادة والمثانة أو المستقيم، وهو إصابة تنتج عن التعرض لمخاض طويل أو صعب دون القدرة على الوصول للرعاية الطبية الملائمة في الوقت المناسب. النساء المصابات بالناسور يعانين من تسرب البول أو البراز أو كليهما، وتتسبب الإصابة في مشكلات طبية مزمنة، كما تؤدي للاكتئاب والعزلة والمزيد من الفقر.
تتذكر سحر تلك المرحلة الصعبة من حياتها قائلة: “عندما علم زوجي بشأن الناسور، قال إنه لم يعد يحتاجني. قال إنني ناشز وطلقني.”
في البداية، أصاب سحر بعض اليأس بعد أن أخبرها الأطباء أن حالتها تستدعي العلاج خارج اليمن نظرًا لعدم قدرتها على تحمل التكاليف. ولكنها علمت بعد ذلك أن صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو الجهة الأممية المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، يدعم المصابات بالناسور لإجراء الجراحة اللازمة للعلاج بالمجان. عندما أجرت سحر الجراحة بنجاح، حاول زوجها إعادتها مرة أخرى ولكنها رفضت بشدة.
بررت سحر رفضها قائلة: “أقسمت ألّا أعود إليه مرة أخرى لأنه تخلى عني ولم يدعمني، لا بالعلاج ولا بالكلمة. زادني جرح فوق جرحي، وبعد إجراء الجراحة، قررت سحر أن تمارس دورًا أكثر إيجابية في البريقة حيث تعيش حتى لا تضطر المزيد من النساء على تحمل ما تحملته هي في ولادة ابنتها.
أصبحت سحر واحدة من 163 قابلة يدعمهن صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن لتحويل منازلهن لعيادات مجتمعية تقدم خدمات الصحة الإنجابية في المناطق المحرومة خاصة بعد توقف ثلثي مرافق الصحة الإنجابية باليمن عن العمل كنتيجة للحرب مما يعرض الملايين من اليمنيات لخطر التعرض لوفيات الأمهات و/أو المواليد والأمراض والإصابات المتعلقة بالحمل والولادة مثل الناسور الولادي.
فقد أثرت الحرب في اليمن على قدرة اليمنيات على الوصول لخدمات الصحة الإنجابية في ظل عدم توفر الخدمة أحيانًا، أو عدم قدرتهن للوصول للخدمة نظرًا لبعد المسافة أو خطورة الطريق أحيانًا أخرى، أو بسبب عدم قدرتهن على تحمل تكاليف تلك الخدمات في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة المصاحبة للحرب. في هذا السياق، تتضاعف أهمية القابلات المدربات مثل سحر حيث باستطاعتهن الحيلولة دون ثلثي عدد حالات الوفاة أثناء الولادة الممكن تجنبها.
ولكن حتى مع الخدمة التي تقدمها، لازالت سحر تؤمن أن الأثر السلبي الذي خلفته الحرب على حياة النساء والفتيات سيستمر لأجيال قادمة، وأضافت أذكر تلك الفتاة التي أتت عندي لتلد، المسكينة تزوجت في عمر 11 سنة بسبب الفقر، ثم حملت ووضعت طفلها الأول في عمر 12 سنة، بينما وضعت طفلها الثاني بعمر 13 سنة.، نزفت الفتاة كثيرًا بمنزل سحر قبل أن تعود أخيرًا لمنزلها بالطفل، وتتمنى سحر أن يكون مستقبل ابنتها سندس مختلفًا، مليئًا بالفرص وأكثر رحمةً بالنساء.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن إن هناك 24 مليون يمنية ويمني بحاجة للمساعدة الإنسانية، منهم 6 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب بما يتضمن 960 امرأة حامل، من المقدر أن تتعرض 144 ألف من هؤلاء الحوامل لمضاعفات لها علاقة بالحمل والولادة مما سيتطلب تدخل طبي طارئ لتجنب وفاة الأم و/أو المولود.
المصدر| صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن