وباء الكوليرا لا يميز بين الأطباء والمرضى في اليمن
مستشفى مكتظ بعديد من المرضى يبعث الخوف في نفوس من يدخل إليه، حيث يتنوع فيه المرضى بين الأطفال والنساء بشكل خاص، وأطباء واستشاريين وممرضين، ولكثرة التخالط والتعايش بينهم، يعانون من انتقال العدوى.
في مركز مكافحة الكوليرا، يعمل الدكتور إسماعيل المنصوري بكل جهد في إنقاذ حياة طفل مصاب بمرض الكوليرا، وأثناء أخذه قسطا من الراحة بعد عمله ساعات طويلة، جلس أمام غرفة مليئة بالأطفال، وعن يساره بعض النساء المصابات بالمرض ذاته.
عرفنا المنصوري بنفسه أنه “طبيب مختص بعلاج الإسهالات المائية الحادة” في مستشفى السبعين بصنعاء، وهو ما يضطره للحضور يوميا وبأي وقت دون انقطاع إلى المستشفى، من أجل معالجة المرضى المصابين بالكوليرا.
وفاة طبيب
المنصوري يروي للجزيرة قصة الطبيب الراحل محمد عبد الواحد عبد المغني فيقول إن الراحل أسهم في علاج آلاف الحالات، وتدريب وإرشاد العاملين الصحيين حول إدارة حالات الكوليرا، وكان يعمل دون توقف في جميع أقسام وممرات المركز المكتظة بالمرضى.
وهو من مواليد محافظة أب، درس بكالوريوس الطب البشري في سوريا، ثم عاد إلى اليمن وعمل في مستشفى الثورة، وله خبرة طويلة أكثر من 35 عاما، ومنذ بداية ظهور وباء الكوليرا في عام 2015 بدأنا في مستشفى السبعين بانتدابه اختصاصيا للقسم حيث إن لديه خبرة في مجال الطب الباطني.
يقول المنصوري إن الطبيب الراحل كان ممن يعيشون على مبدأ “اللامبالاة” ويعتمد على أنه لن يصيبه شيء إلا ما كتبه الله له دون اللجوء للوقاية، ويوضح “كان الراحل لا يستخدم القفازات الطبية بشكل مستمر ولهذا أصيب بالعدوى في 25 مارس/آذار الماضي، وتم علاجه في المستشفى لليلة واحدة فقط ثم أصر على الذهاب إلى المنزل لكي يفرغ سريره لمريض آخر هو أحق به منه”.
يحافظ المنصوري على أسلوبه في الحديث بهدوء عن زميله الذي اختطفه الوباء منه، على الرغم من شعوره بالحزن الشديد والحسرة لفقدان المستشفى طبيبا لديه من الخبرة ما تكفي لعلاج آلاف المرضى.
“توفي محمد في 28 مارس/آذار في منزله، الخبر الذي فاجأنا جميعا، إنه المرض ذاته الذي أخذ من وقته وجهده وصحته سنوات، لقد أخذ حياته أيضا”.
حالة طوارئ
أعلنت صنعاء حالة الطوارئ بعد انتشار مرض الكوليرا للمرة الثالثة في اليمن منذ عام 2015، ولكن جميع الجهات الرسمية والمنظمات تشير إلى أنه الأقوى في هذا العام، حيث رصدت وزارة الصحة في صنعاء عدد الحالات المسجلة على مستوى أمانة العاصمة منذ بداية العام الجاري بـ37 ألفا و485 إصابة، منها 50 حالة وفاة بينها طبيبان.
وقد أوضح مدير مكتب الصحة بمديرية معين بصنعاء، الدكتور كمال أحمد أبو دنيا أن هناك أسبابا لرجوع الوباء وبقوة ولكنها غير معروفة إلى الآن، وقال: “لا نستبعد ضلوع قوى العدوان (التحالف السعودي الإماراتي) في ذلك، ولكن بجهود من وزارة الصحة والجهات المعنية نحن نقوم بالإجراءات اللازمة، وذلك بعد اكتشاف أن بكتيريا الكوليرا اكتسبت مقاومة لبعض أنواع المضادات الحيوية.
وتشير تقديرات منطمة الصحة العالمية إلى أن نحو أربعة ملايين و800 ألف يمني مهددون بالكوليرا، ما يعمق مأساة اليمنيين الذين ينجون من الموت قصفا وجوعا من قبل طرفي الصراع.
النجاة من الموت
يمضي المنصوري بين ممرات المستشفى المكتظة بالمرضى ليتابع عمله في فحص بعض الأطفال المصابين، وهو يقول: “كنا نحاول محاربة الكوليرا لكنها انتصرت علينا، وسوف نظل في هذا المركز مهما حدث، ووفاء لزميلنا الراحل قررنا أن نسميه باسمه “مركز الدكتور محمد عبد المغني”.
ويتابع “وريثما سيكون اسمه هكذا، نحن مستمرون في عملنا لأن هناك عقيدة بداخلنا بأنه يجب أن نكافح هذا الوباء، وأنا شخصيا أصبت بالكوليرا ثلاث مرات، آخرها قبل يومين لكنني نجوت منها، لقد جاءت الكوليرا في هذه الفترة بشكل مخيف جدا، استقبلنا خلال شهر من 200 إلى 250 حالة أو 300 خلال 24 ساعة، وقد اضطرت حكومة الواقع إلى فتح مراكز جديدة لاستقبال الحالات بسبب كثرة المصابين”.
وفي سؤال للجزيرة نت عن تغيب بعض الأطباء عن عملهم في بعض المراكز بسبب خوفهم من انتقال العدوى إليهم، أجاب المنصوري بأن الكادر الطبي في مستشفى السبعين مصممون على مواصلة الجهاد، جهادنا أطباء لا يقل عن جهادنا في الميدان، فجهادنا هنا جهاد عدو خفي لا تعرف من أين يأتي، وهو عدو أخطر من عدو الجبهات.
ويرى أن السبب في الاجتياح الكبير لهذا الوباء هو التلوث العام، لا نستطيع أن نجد سببا معينا، فقد تكون الهجرة الأفريقية إلى اليمن أو الجثث المتحللة هي السبب، ولكن ليست هناك دراسات علمية تؤكد ذلك.
(الجزيرة)