أمل من عمق الألم: مقطوعات أوركسترالية حضرمية في ماليزيا
“لا أجد كلمات لأصف به هذا المشهد الذي أراه أمامي. فكرة هذا الحلم التي راودتني قبل أربع سنوات، لا أصدق أنها أصبحت حقيقة، شكراً للجميع بحق”. بهذه الكلمات صعد الموسيقي اليمني الشاب محمد القحوم، إلى مسرح قاعة قصر الثقافة “آستانا بودايا” بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، وهو يبتسم بفرح كبير، ويتحدَّث إلى الجماهير التي قدمت لمشاهدة حفل تدشين المقطوعات الأوركسترالية الحضرمية، يوم أمس السبت.
وقد حمل هذا الحفل شعار “الموسيقى الحضرمية.. أملٌ من عمق الألم”. وضمّ الفريق المشارك في هذا العمل، أكثر من 90 عازفاً أوركسترالياً وراقصاً من أبناء حضرموت، بينهم فنانون من جنسيات آسيوية كماليزيا واليابان، وبعض الدول الأخرى. فيما وصل العدد الإجمالي للفريق الذي شارك بالتجهيز لهذا الحفل إلى أكثر من 300 شخص.
صورة مختلفة عن الحرب
وبحسب حديث المؤلف القحوم في كلمته خلال الحفل، فإنه أراد من خلال هذا العمل الأول من نوعه، أن يقدّم صورة مختلفة عن اليمن، رغم جميع الظروف القاسية التي يمر بها. ومن بين الرسائل التي أراد إيصالها للعالم، وفقاً لحديثه، بأن اليمن لا يزال مليئاً بالفن والحب والجمال.
كما يهدف الحفل إلى إثبات أن الموسيقى الحضرمية، كانت ولا تزال حية ومرنة تستطيع أن تنافس الموسيقى العالمية بمختلف ألوانها، في أكبر المحافل الموسيقية الدولية. وقد تم تقديم ست مقطوعات موسيقية خلال الحفل، جميعها مستوحاة من الموروث الموسيقي الحضرمي. واستطاع المؤلف القحوم أن يقوم بتأليفها، ويعيد إنتاجها في قالب أوركسترالي عالمي.
ستّ مقطوعات
ووسط تفاعل الحاضرين من اليمنيين ومئات الماليزيين، الذين سارعوا لشراء أكثر من 1400 تذكرة من أجل الحضور، بدأ الحفل بعزف مقطوعة “مدروف الأصالة”، المستوحاة من لون الغناء الزربادي التراثي، الذي يعدّ من أقدم الفنون التقليدية التي تشتهر بها مناطق وادي حضرموت.
ثم قامت الفرقة الموسيقية بعزف مزمار “الهبيش”، وهي مقطوعة مستوحاة أيضاً من رقصة الهبيش التقليدية، التي تُؤدّى في المدن والأرياف الساحلية من حضرموت.
وتابعت الفرقة تقديم المقطوعة الثالثة، التي تحاكي الحرب والسلام واسمها “العُدَّة”، وهي لوحة شعبية راقصة مكونة من رقصتين: تتميز الأولى منهما بطابعها الحربي، في حين تتصف الأخرى بالطابع السلمي. وهي من الرقصات الأكثر شعبية، وتمارس في معظم المناطق الحضرمية أيضاً.
وحملَت المقطوعة الرابعة اسم “الوداع المُفرح”، وهي وصلة غنائية تؤدى في مواسم الأفراح النسوية بحضرموت. ويطلق عليها البعض اسم “صوت الحناء”، فيما حملت المقطوعة الخامسة اسم “الحيرة”، وتُعبر عن حالة الحيرة والضياع، والصراع بين الأمل واليأس الذي يغمر الناس في البلدان التي تعيش أوضاعاً سيئة أو حروباً كالوضع الراهن في اليمن.
أما المقطوعة الأخيرة والسادسة، فكانت “صَبُّوحة”، وهي أكثر ما آثار تفاعل الجماهير الحاضرة، إذْ تُعدُّ في الواقع اسماً لأغنية شهيرة من التراث اليمني. وتؤدى في الرقصات ذات الطابع الفرائحي. وقد أخذ المؤلف القحوم هذه الجمل اللحنية للأغنية، وقام بوضعها في قالبٍ موسيقي أوركسترالي.
وقبل أن ينتهي هذا المهرجان الموسيقي، صعد عدد من الدبلوماسيين اليمنيين والعرب، وكذلك المسؤولون الماليزيون إلى منصة المسرح، ومعهم كذلك الفرق الراقصة. ولم يتردد الجميع عن الرقص على أنغام المقطوعة الأخيرة “صَبُّوحة”. فيما وقف جميع الحاضرين لتحية الفرقة، وعلى رأسهم الشاب القحوم.
محمد القحوم
ويبقى كل هذا مجرد بداية وأولى خطوات الشاب القحوم، صاحب فكرة مشروع المقطوعات الأوركسترالية الحضرمية ومؤلفها، الذي يمتلك استديوهات “صدى الإبداع” في اليمن. وسبق أن قام بدراسة الهندسة المدنية في حضرموت، إلى جانب دراسته الموسيقى في المعهد الوطني للموسيقى بالعاصمة الأردنية عمان، وفي كلية حلوان للتربية الموسيقية بالعاصمة المصرية القاهرة.
كما قام القحوم بتوزيع وإنتاج الكثير من الأعمال، التي عرضتها العشرات من القنوات العربية واليمنية، بالإضافة إلى تأليفه عدداً من المقاطع الموسيقية التصويرية لعدد من المسلسلات والأفلام القصيرة، والمقاطع الموسيقية التصويرية لإعلانات عدد من القنوات.