الشرب خطر في اليمن
يعاني نحو 55 في المائة من اليمنيين صعوبة في الحصول على المياه المحسّنة، فيلجأ أهل البلاد بصورة متزايدة إلى مصادر المياه غير المحسّنة وقد يستخدمونها للشرب في حين يفتقر اليمن إلى مرافق مناسبة للصرف الصحي. ويشكو المواطنون في عموم المناطق من شحّ المياه الصالحة للشرب وارتفاع تكلفتها، خصوصاً في المناطق الريفية حيث يقطع بعضهم مسافات طويلة في أراض وعرة لجلب المياه من برك مكشوفة بمعظمها، الأمر الذي يساهم في انتشار الأمراض.
أفراح يحيى من منطقة صعفان في محافظة صنعاء، تخبر أنّها كغيرها من نساء المنطقة تقطع مسافات طويلة على مدى ساعة ونصف الساعة، يومياً، سيراً على الأقدام، من أجل جلب المياه. تضيف لـ”العربي الجديد” أنّ المياه التي تحملها غير صحيّة لأنّها من برك مكشوفة ويستخدمها الأطفال للسباحة أحياناً، بالإضافة إلى أنّ الحيوانات تشرب منها، “لكنّنا مجبرون على ذلك بسبب عدم توفّر مشاريع مياه وآبار في المنطقة، إلى جانب عدم قدرتنا على شراء المياه”. وتشرح أفراح أنّ “نساء كثيرات ينتظرنَ حلول الظلام حتى يتوجّهنَ في قوافل إلى مناطق توفّر المياه لتعبئة ما استطعنَ حمله من أوعية”، مؤكدة أنّ “أسرنا تعتمد علينا في ذلك. لو كان الأمر متعلقاً بسلعة أخرى، كان من الممكن الاستغناء عنها وتوفير الجهد الذي نبذله يومياً، لكنّه لا يمكننا الاستغناء عن المياه”.
أمّا أحمد الصبري، وهو من سكان تعز (جنوب)، فيعتمد على خزّان أرضي (ساقية) لجمع مياه الأمطار النظيفة، ثمّ يستخدمها في الشرب والغسيل وريّ الأشجار وأغراض أخرى. يقول لـ”العربي الجديد” إنّ “الخزان الأرضي وفّر عليّ مشقّة جلب المياه من مناطق بعيدة بصورة يومية”، مؤكداً أنّ “مياه الأمطار تُجمَع من سطح منزله عبر مواسير بلاستيكية تصل إلى الخزان الأرضي بطريقة آمنة ونظيفة”. ويشير إلى أنّ سكان “محافظة تعز بمعظمهم لا يملكون المال الكافي لشراء المياه النظيفة، لذا يقطعون مسافات طويلة من أجل ذلك”.
من جهتها، ترى ابتسام عبد السلام من محافظة المحويت (غرب)، أنّ “عملية جلب المياه من أكثر المهام اليومية خطورة وصعوبة بسبب ندرة المياه، ونحن نضطر إلى استخدامها في أكثر من مهمة. لذا فإنّ المياه أغلى ما نملك إذا استطعنا توفيرها”. وتقول لـ”العربي الجديد” إنّ “نساء وأطفالاً كثيرين تعرّضوا لحوادث في أثناء جلبهم المياه من مناطق بعيدة. فمنطقتنا جبلية، وفي موسم الأمطار تكون الأرض رخوة بسبب الرطوبة، فتنزلق النساء وكذلك الأطفال بسبب الطين”.
في سياق متصل، وبالتزامن مع مخاوف من عودة الكوليرا، تأتي أزمة المياه لتزيد التهديدات، لا سيّما أنّ ثمّة أسراً كثيرة تعتمد على مياه البرك المفتوحة، في حين أنّ الأسر الأفضل حالاً تشتري المياه التي تنقلها الصهاريج أو تلك المعبّأة في عبوات إذ إنّها أكثر أماناً نسبياً. لكنّ تلك الأسر الأخيرة تضطر إلى تحمّل الارتفاع الكبير المستمر في الأسعار، نظراً إلى ارتفاع ثمن الوقود أو سعر صرف العملات الأجنبية.
ويتطلب نظام المياه والصرف الصحي العام في اليمن زيادة الدعم الدولي لتوفير الحدّ الأدنى من الخدمات وتجنّب الانهيار. وتفيد بيانات لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” ولمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأنّ 22 في المائة فقط من سكان الريف و46 في المائة من سكان المدن يرتبطون بشبكات المياه التي تصل إلى المنازل بطريقة جزئية نتيجة عدم توفّر التيار الكهربائي. ومن إجمالي 333 مديرية يمنية، يعاني السكان في 197 مديرية (55 في المائة من إجمالي السكان) من عدم القدرة على الوصول إلى المياه المحسّنة، بينما تعاني 167 مديرية من حاجة ماسة إلى الصرف الصحي. ومع انخفاض نسبة الوصول إلى المياه الآمنة، تلجأ المجتمعات المحلية كثيراً إلى مصادر المياه غير الآمنة، وتلجأ 24 في المائة من الأسر إلى معالجة المياه في المنازل بسبب ارتفاع تكلفة مياه الشرب الآمنة. ويؤكد مصدر في إحدى المنظمات الإغاثية في صنعاء لـ”العربي الجديد” أنّ “العمل الإغاثي في مجال توفير المياه لا يعالج المشكلة نهائياً بل بصورة مؤقتة. ولعلّ أحد الحلول هو توفير البنية التحتية الآمنة لا سيّما تلك التي تجنّب الناس ويلات الأمراض المتصلة بالمياه مثل خزانات مياه الشرب الآمنة”.
تجدر الإشارة إلى أنّه بحسب خطّة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2019، والتي أعدّتها الأمم المتحدة، فإنّ إجمالي عدد المواطنين الذين يحتاجون إلى مياه صالحة للشرب ومشاريع الصرف الصحي والنظافة الصحية بلغ 17.8 مليون شخص في كلّ أنحاء البلاد، أمّا التكلفة فتصل إلى 285 مليون دولار أميركي.
(العربي الجديد)