بين اليمن والسعودية .. الأطفال فريسة سهلة لمهربي “القات” وحرس الحدود
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرا حول مأساة الأطفال اليمنيين، الذين يعملون في تهريب نبتة القات من محافظة صعدة اليمنية، إلى داخل الأراضي السعودية، وكشف التقرير الذي أعده الكاتب ياسر الرايس وترجمه موقع “الجزيرة” عن تعرض الأطفال للإعتداء الجسدي والجنسي والإغتصاب، بعد القبض عليهم وهم يعملون في التهريب مضطرين، نتيجة تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن.
“يمن ستوري” يعيد نشر المادة المترجمة كما هي:
يقول الكاتب ياسر الرايس إن عشرات الأطفال اليمنيين الذين يهرّبون القات -وهو نبتة مخدّرة تنبت في اليمن- إلى السعودية، يتعرضون لاعتداءات جسدية وجنسية على أيدي حرس الحدود السعوديين.
ويعرض الكاتب في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني شهادات لأطفال مهرّبين تعرضوا لشتى أنواع المعاملات السيئة في إطار صفقة مقايضة مقابل إطلاق سراحهم، وينقل الرايس شهادة طفل يمني كان يبلغ من العمر 14 عاما حين أُلقي القبض عليه في آخر نقطة تفتيش حدودية بمحافظة صبيا السعودية بتهمة تهريب القات الذي يحظى بشعبية واسعة في اليمن، وجرى الاعتداء عليه جنسيا قبل ترحيله.
ويشير الكاتب إلى أن الأطفال الذين يصلون أسبوعيا إلى الحدود الشمالية اليمنية في منطقة الثابت بمحافظة صعدة، يُقدّر عددهم بخمسين طفلا، حيث يهربون القات وغيره من السلع الممنوعة إلى السعودية. وحسبما أفاد به المهرّبون، فإنه يقع القبض على مئات من هؤلاء الأطفال من جانب حرس الحدود السعوديين، فضلا عن تعرّض العشرات منهم إلى اعتداءات جسدية وجنسية.
الأراضي الحدودية
وفي هذا الخصوص، أجرى موقع “ميدل إيست آي” مقابلة مع 11 طفلا، صرّح خمسة منهم أنهم تعرضوا للاغتصاب على أيدي حرس الحدود السعوديين، وكان أحد الأطفال -في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تواجهه أسرته- قد اضطر لترك المدرسة والانضمام إلى أقاربه في الأعمال غير القانونية لتهريب القات في منطقة الثابت. وفي ذلك الوقت، كان التهريب مصدر قوت عائلته.
ويوضح الطفل “لقد تحمست كثيرا حين وجدت أن بعضا من جيراني في القرية يعملون في تجارة تهريب القات، وأنهم حققوا الكثير من الأرباح، وتمكّنوا بذلك من تحسين ظروفهم المعيشية، وقد أدركت حينها أنه ليس أمامي خيار سوى ترك المدرسة والذهاب إلى العمل”، ويشير الكاتب إلى أن هذا الطفل أصيب بعد هذه الحادثة المريعة بصدمة نفسية حادة، وأنه بات منعزلا عن المجتمع. وأما والد الطفل فيقول إن ابنه لم يتمكن من مواصلة تعليمه، وفشل في الاندماج مجددا في المجتمع جرّاء هذه الحادثة.
مطاردة الأطفال
ويضيف الكاتب أن هذا الطفل ليس الوحيد الذي تعرض لمثل هذه الاعتداءات الجسدية والجنسية على أيدي حرس الحدود السعوديين، فهناك طفل آخر (13 عاما) كان أيضا أحد ضحايا اثنيْن من الحرس الذين أُشيع عنهم أنهم وراء الاعتداء المتواصل على الأطفال اليمنيين الذين يعملون في تجارة تهريب القات على الحدود.
ويحمل المهربون 20 كلغ من القات المجفف والمطحون إلى قرية التلدة السعودية التي لا تبعد سوى ثلاثة كيلومترات عن آخر نقطة تفتيش يمنية في قرية الثابت. ولا تستغرق العملية أكثر من خمس ساعات. ووفقا لما ذكره الأطفال الذين يعملون في مجال التهريب، يجني المهرّب أرباحا تصل إلى 1500 ريال سعودي (نحو 400 دولار).
حيال هذا الشأن، قال رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر نبيل فاضل في تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، إن مراقبة مثل هذه الحالات توقّفت بسبب الحرب المستمرة، مضيفا أنه لا توجد إحصائيات حول ضحايا مثل هذه الاعتداءات بسبب غياب القوانين التي تُجرّم الاتجار بالبشر في اليمن.
وتابع فاضل أنه “خلال الفترة التي سبقت الحرب، وصل عدد الأطفال الذين يقع الاتجار بهم عبر الحدود اليمنية السعودية إلى 50 طفلا أسبوعيا”، مؤكدا أن “عصابات التسول (داخل السعودية) تستغلّ هؤلاء الأطفال، كما يقع استغلالهم في تهريب القات والمخدرات وغيرها من الأعمال غير القانونية، فضلا عن استغلالهم جنسيًّا”، وأوضح أن “استغلال الأطفال للقيام بهذا النوع من العمل (التهريب) يعتبر نوعا من أنواع الاتجار بالبشر، لأن هؤلاء الأطفال يكونون عرضة للخطر والجوع والخوف”.
غياب المساعدة
ويكشف الكاتب أنه على غرار العديد من الأطفال اليمنيين الذين كانوا ضحايا مثل هذه الاعتداءات، لم يتلق هذان الطفلان أي مساعدة نفسية لتجاوز الصدمة التي عاشاها، مضيفا أن الطبيبة النفسية بشرى القدسي شددت على أن تبعات الحالة النفسية السيئة لهؤلاء الأطفال يمكن أن تتواصل لسنوات طويلة إذا لم يتلقوا العلاج المناسب لتجاوزها.
وأضافت الطبيبة بشرى أن التدخل العلاجي يعتبر صعبا بسبب الافتقار إلى مرافق الرعاية الصحية العقلية في اليمن، وأشارت إلى أن “ثقافة كل من الطفل والعائلة التي تشعر بالخزي وتتستر على هذه الحالات، تساهم في زيادة مثل هذه الحوادث بشكل كبير، وتحرم الأطفال من الحصول على الدعم النفسي والكشف عن هذه القضايا والسعي لتحقيق العدالة”.
وأوردت الطبيبة -التي تتخذ من القاهرة مقرا لها- أن “الإهمال والجهل بهذه الحالات من شأنهما أن يتسببا في تدهور حالة الضحية، وقد يصبح الشخص في النهاية غير مستقر أو ذا نزعة انتحارية”.
ويضيف الكاتب أن عالم النفس جمال اليوسفي قابل طفلا تعرض للاغتصاب على يد حارس سعودي بينما كان يعمل على الحدود اليمنية السعودية كمهرّب للقات، وأنه صرح بأن “الطفل كان غير قادر على الكلام بعد الحادثة، وأنه ظل على هذه الحال لأكثر من سنة”. مع ذلك، لم يحضر الطفل سوى أربع جلسات، وهو ما يدل على أن ثقافة عدم الاهتمام بالعلاج النفسي تحرم الكثيرين من الاستفادة، وتؤثر سلبًا على عقلية الضحايا.
دافع الربح
وينسب الكاتب إلى أحد مهربي القات محمود الحمداني أن “معظم مهربي القات شباب وأطفال، وأنهم يفضلون هذا النوع من العمل بسبب أرباحه العالية”. ويتعامل الحمداني مع الموزعين والمهربين الذين يعملون في السعودية ويقدمون القات إلى المستهلكين. كما أوضح أن المهربين يتعاونون مع حرس الحدود السعوديين.
وأشار الكاتب إلى أن سبب تفضيل الحمداني العمل مع الأطفال أنهم “لا يُسجنون لفترات طويلة من الزمن، وسرعان ما يُطلق سراحهم. بالإضافة إلى ذلك، تثير الحوافز المالية اهتمام الأطفال والمراهقين، على عكس الذين تتجاوز أعمارهم 20 عاما إذ يدركون مخاطر هذا العمل. كما يستطيع الأطفال التنقل بسهولة بين الحدود والتضاريس الوعرة”.
المصدر : ميدل إيست آي,الجزيرة