مآسي الحرب في اليمن..كبار السنّ لايتقاعدون عن الشقاء!
بالقرب من بوابة إحدى المدارس في العاصمة اليمنية صنعاء، يحدّق التلاميذ صباح كل يوم في وجه مألوف ترتسم عليه ملامح الشيخوخة وأثار غبار الرصيف، إنه العم نعمان، الذي يعمل بائعاً متجولاً للملابس المستعملة، في وقت تتفاقم فيه ظاهرة عمالة كبار السن، الذين يعيلون أسرهم، في ظل الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد.
يعيش نعمان وأسرته المؤلفة من خمسة أبناء وأحفاد في إحدى قرى مدينة ذمار، ويتنقل في أغلب الأحيان بين تقاطعات منطقة “التحرير” الحيوية وسط صنعاء، وعلى ظهره أعداد محدودة من السترات المستعملة يلوح بها للمارة وخاصة في أوقات الازدحام؛ لكنه لا يستطيع الوقوف طويلاً فيضطر للجلوس بين الحين والآخر، وأحياناً يغلبه النعاس فينام.
وأيا تكن جودة الملابس التي يبيعها، فإن سنّه وملامحه والثياب التي يرتديها، هي ما تجذب المارة وخصوصا في فصل الشتاء البارد. وحتى سمع العم نعمان أصبح ضعيفاً ويجب مناداته والتحدث معه بصوت مرتفع نسبياً.
آثار الحرب تفاقم الظاهرة
حال نعمان، هو مثال لصورة تكاد تتكرر أينما ذهبت في اليمن، سواء على الأرصفة أو في أعمال البناء أو حمل البضائع، الأمر الذي بات ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مع تفاقم الوضع الاقتصادي المتأزم وانقطاع مصادر دخل الكثير من الأسر؛ بتوقف مرتبات موظفي القطاع العام وإغلاق عدد كبير من المصالح العامة والخاصة.
في السياق، علي النهمي (56 عاما) متقاعد ومنذ عام 2016 لا يتقاضى مرتبه الذي كان يبلغ 40 ألف ريال شهرياً، فلجأ هو الآخر إلى الرصيف، حيث أقام “بسطة” لبيع الملابس والأواني، ويقول، إن ذلك هو الخيار الوحيد لتوفير أدنى ما يسدّ احتياجات أسرته.
صالح الحيمي، هو الآخر، في الستينات من العمر، وزوجته تعاني من أمراض نفسية، اضطره انقطاع راتبه التقاعدي إلى مزاولة أكثر من مهنة، منها العمل في أحد المطاعم، لكن بسبب عدم قدرته على الالتزام مثل العاملين الشباب، سرّحه ربّ العمل واستغنى عنه، ليتجه لاحقاً إلى حمل مواد البناء.
هذه هي حال كثير من كبار السن في صنعاء والمدن الأخرى، لكن حال أقرانهم في الريف ليست أفضل من حالهم؛ إذ غالبا لا يبقى أمامهم من فرصة لتأمين قوت يومهم سوى القيام بأعمال مرهقة مثل حراثة الأرض ونقل الأحمال الثقيلة إلى منازل بعيدة على ظهورهم.
وتكشف العديد من الحالات أن عمالة اليمنيين في سن التقاعد تنتشر أيضاً بين المهاجرين خارج البلاد، والذين يقدّر عددهم بنحو مليوني يمني في السعودية، وحدها من مختلف الأعمار، وبسبب الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها الحرب، يجد كثيرون من هؤلاء المهاجرين الكبار في السنّ أنفسهم مضطرين إلى العمل والبقاء بعيداً عن أسرهم في اليمن.
آثار سلبية جسدياً ونفسياً
وبسؤال الخبيرة الاجتماعية اليمنية، نجاة الصائم عن سبب تزايد ظاهرة لجوء كبار السن إلى العمل في أعمال شاقة كمجال البناء أو بيع الأشياء البسيطة على أرصفة الشوارع، تقول إنه نتيجة للأوضاع الاقتصادية القاهرة، التي تضطر الكثيرين إلى حمل الأثقال أو البقاء لساعات طويلة في البرد أو تحت الشمس.
وتضيف أنه بطبيعة الحال يكون المردود المادي لعملهم ضئيلاً جداً، وهذا يؤثر سلباً عليهم من الناحيتين: الجسدية، حيث تفاقم الأمراض التي تصيب كبار السن عادة. ومن الناحية النفسية، حيث تزداد الضغوط النفسية عليهم والشعور بالقهر وعدم الأمان وغيرها من الأمراض النفسية”.
وتتابع الصائم أن هؤلاء يفترض أن ينعموا بالرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية سواء من قبل أسرهم أو الدولة.
وتشدد على أنه لابد من العمل على الاهتمام بهذه الشريحة وتوفير سبل الحياة الكريمة لها، وفي حال قابلنا مثل هذه الحالات كأفراد علينا العمل على مساعدتهم بما يكفل لهم كرامتهم.
يمن ستوري – DW