“نازحون إلى الموت” .. حكاية عائلة يمنية تحول عيدها إلى عزاء
نشرت منظمة أطباء بلا حدود الدولية تقريرا يروي مأساة عدد من ضحايا الحرب في اليمن، وتحدث رئيس بعثة المنظمة “حاومي رادو” عن وقائع عايشتها البعثة في مديرية عبس بمحافظة حجة اليمنية، وجدد دعوته الاطراف في اليمن لاحترام القانون الدولي، وطالب المانحين بتقديم مساعادتهم التي تعهدوا بها.
“يمن ستوري” يعيد نشر التقرير الخاص بالمنظمة :
تجمعت عائلة قايد الممتدة، في 11 أغسطس / آب من هذا العام، في أحد المباني المدنية في منطقة مستبأ بمحافظة حجة شمال غرب اليمن للاحتفال بعيد الأضحى. وكانت العائلة قد نزحت من مكان سكنهم الأصلي بحثًا عن ملجأ آمن في مستبأ، وقد كانوا جالسين لتناول طعام الغداء عندما ضربت غارة جوية مبناهم بشكل مباشر.
وأسفرت الغارة عن مقتل ما لا يقل عن 10 من أفراد الأسرة وجرح 17، جميعهم وصلوا إلى مستشفى عبس الريفي الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود لتلقي العلاج: وهو أكبر تدفق لجرحى الحرب المدنيين إلى المستشفى في يوم واحد منذ بداية العام.
إذ أن كل يوم تقضيه “أطباء بلا حدود” في تقديم علاج المرضى هو يوم تقضيه أيضًا في رؤية آثار هذه الحرب على السكان المدنيين. فلم يعد مرضانا يرجون أملاً في أن يحترم المقاتلون قوانين الحرب، ولا يأملون كذلك بوجود مناطق آمنة لأولئك الذين ليسوا طرفًا في القتال.
وقد كان من المستحيل، بينما كنت أتحدث مع مريم، ألا أعود بذاكرتي إلى قبل ثلاث سنوات في أغسطس / آب 2016، عندما كان زملائي ومرضاهم ضحية غارة جوية أخرى. إذ استهدفت تلك الغارة قسم الطوارئ بمستشفى عبس الريفي، مما أسفر عن مقتل 19 شخصًا منهم أحد موظفي أطباء بلا حدود وخمسة أطفال. كان هذا خامس وأخطر هجوم على مرفق خدمات طبية تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في اليمن منذ عام 2015.
منذ ذلك الحين، استمرت الضربات دونما هوادة. وفي 11 يونيو / حزيران 2018، تعرض كذلك مركز لعلاج الكوليرا تابع لمنظمة أطباء بلا حدود تم إنشاؤه حديثًا في عبس لهجوم. ونتيجة لذلك، فقد اضطررنا إلى إعادة بناء المركز من الصفر، وتم ترك أكثر من 1.2 مليون شخص كانوا يعتمدون على خدمات مستشفى عبس دون سبيل للحصول على العلاج، تزامنًا مع تفشي وباء الكوليرا بين السكان.
وبحسب “راو” إن مجرد وجود أمراض مثل الكوليرا والدفتريا، والتي كانت تقريبًا غير موجودة في اليمن سابقًا، يشير إلى مدى عمق النزاع الذي يؤثر على صحة السكان اليمنيين.
وثمة تجاهل واضح وصارخ لأرواح المدنيين بين أطراف النزاع في اليمن. ويتضح بشكل جليّ من خلال الانتهاك العلني للقانون الإنساني الدولي، وفي التعتيم على مصطلحات مثل “الأضرار الجانبية”، وفي الإهمال الذي تُشن به الضربات على المواقع المدنية.
وبحسب إحصائية المنظمة يبلغ عدد النازحين 3.65 مليون شخص وهو في اضطراد، في حين أن قدرة السكان على مواجهة هذا النزوح آخذة في التناقص.
إن الاستجابة الإنسانية للنزاع في اليمن غير كافية، وتعمل على التخلي عن العاملين على تقديم هذه المساعدات وتركهم معرضين للخطر وغير محميين. ومع العلم بكل ما سلف ذكره، فإنه من المستحيل تهدئة أم فقدت ابنها و9 أفراد آخرين من عائلتها، تمامًا كما كان من المستحيل تهدئة موظفينا ومرضاهم قبل ثلاث سنوات. فلا توجد إجابات لتقديمها لهم.
يوضح “راو” أن هنالك دعوات شديدة على نحو متزايد للحصول على مزيد من التمويل للاستجابة الإنسانية. وثمة حاجة للحصول على مزيد من التمويل، ولكن هذا لا يكفى. ينبغي أن تكون المنظمات الإنسانية قادرة على تقديم تلك المساعدات لأولئك الذين يحتاجون إليها دون خطر التعرض للأذى، بدلاً من العمل في المناطق آخذة في التناقص أكثر فأكثر بسبب النازحين.
وفي المقابل، يجب أن يظهروا بأنهم أكثر استعدادًا للقيام بذلك. فجميع الأموال التي يمكن للجهات المانحة تقديمها لن تغير الوضع إذا ظل وصول المساعدات الإنسانية محدودًا. إن هذا التمويل، دون تغيير حقيقي من أطراف النزاع والمعنيين به، لن ينهي إراقة الدماء، ولن يعوض عن آلاف الأرواح اليمنية التي فُقِدت، ولن يقدم الإجابات والحلول التي يحتاجها مرضانا بشدة.
والآن، بعد مرور ثلاث سنوات على تفجير مستشفى عبس، لا يزال هناك طلب واحد وبسيط ينبغي على جميع أطراف النزاع القيام به: احترام القانون الدولي الإنساني، حماية للمدنيين. وبالنسبة لأولئك الذين يمكنهم محاسبة المقاتلين: لا تقبلوا “الأخطاء” أو “الأضرار الجانبية”. وإلى المجتمع الإنساني الدولي: لقد حان الوقت لنفعل أكثر ونقول أكثر. سيحكم التاريخ علينا جميعًا، كما يحكم علينا اليمنيون بالفعل.
ويؤكد رئيس بعثة “بلاحدود” أنه وبعد مرور ثلاثة أعوام على قصف مستشفى عبس، لا يزال لدينا مطلب بسيط من جميع أطراف النزاع ألا وهو: احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين. نقول لمن له القدرة على محاسبة المقاتلين: لا توافقوا على ’الأخطاء‘ أو ’الأضرار الجانبية‘. ونقول للمجتمع الإنساني الدولي: لقد آن الأوان لنقول ونفعل المزيد. فالتاريخ سيحكم علينا جميعاً كما يحكم علينا أهل اليمن اليوم.