فساد المنظمات .. يدمر حياد الأمم المتحدة ويفاقم المأساة الإنسانية في اليمن
دفع تحقيق دولي الحكومة اليمنية، للمطالبة بالتحقيق في وقائع فساد المنظمات التابعة للأمم المتحدة، العاملة في اليمن، بحسب خطاب وجهه وزير الادارة المحلية رئيس اللجنة العليا للاغاثة عبدالرقيب فتح، إلى منسقة الشؤون الانسانية في اليمن ليزا جراندي، دعا فيه إلى سرعة تشكيل لجنة تحقيق في وقائع الفساد التي أشارت إليها التقارير المنشورة مؤخرا، وفق ما ذكرت وكالة سبأ الرسمية.
وشدد “الوزير اليمني” على ضرورة موافاة الحكومة اليمنية بملابسات ووقائع الفساد و نتائج هذه التحقيقات، واتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد المقصرين والمتورطين في قضايا الفساد واستغلال المنصب، لافتاَ الى أن الحكومة لن تقبل أي تقصير أو استغلال للعملية الإغاثية من قبل كافة المنظمات الإنسانية، وأكد أن استغلال العملية الاغاثية والوضع الانساني في اليمن من قبل بعض الموظفين في المنظمات والوكالات الاممية عمل غير مقبول وغير اخلاقي، وأضاف أن الكشف عن قضايا فساد في أعلى هرم إغاثي أممي، أمر مؤسف يتطلب مراجعة شاملة لأداء عمل المنظمات الأممية في اليمن.
هذا الموقف الحكومي جاء بعد تحقيق نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، وكشف أنّ أكثر من عشرة عمال إغاثة تابعين للأمم المتحدة، تم توظيفهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية الناجمة عن خمس سنوات من الحرب في اليمن؛ متهمون بالكسب غير المشروع والتعاون مع المتحاربين من جميع الأطراف لإثراء أنفسهم من الموادّ الغذائية والأدوية والوقود والأموال المتبرع بها دولياً، وأوضح أنّ مسلحي جماعة الحوثي منعوا محققين تابعين للأمم المتحدة من مغادرة صنعاء وبحوزتهم أجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص خارجية تدين موظفي الأمم المتحدة وقيادات حوثية بالفساد والتلاعب بالمساعدات الإنسانية في اليمن، وقاموا بمصادرتها.
مركبات أممية لنقل الحوثيين؟
وبحسب وكالة اسوشييتد برس، فإن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تجري تحقيقاً مع موظف لديها في اليمن، سمح لقادة الحوثيين باستخدام مركبات المنظمة للحماية من قصف التحالف الذي تقوده السعودية، ويدعى الموظف، خورام جاويد، باكستاني الجنسية، ومنح مسؤولاً حوثياً بارازاً استخدام مركبات المنظمة، كحماية رسمية من الغارات الجوية التي يشنّها التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين.
ولفتت الوكالة فإن جاويد عُرف بصلاته الوثيقة مع الأجهزة الأمنية الحوثية، ناقلة عن زميل سابق ومسؤول إغاثة قوله إن جاويد تفاخر باستخدام علاقاته مع مسؤولين حوثيين لمنع مدققي حسابات اليونيسف من دخول اليمن، وقالت المنظمة إن جاويد نُقل إلى مكتب أخر لم تفصح عنه.
وعبّر مسؤولون في المنظمة عن خشيتهم من استهداف التحالف السعودي الإماراتي لمركبات الوكالة، في حال اعتقدت قوات التحالف استخدام مركبات المنظمة لحماية المتمردين الحوثيين، وتنسق الأمم المتحدة مرور سيارتها مع التحالف حتى لا تتعرض للقصف.
طمس الأدلة
وأوضحت الوكالة أنه بينما كان محققو الأمم المتحدة المجتمعون في قاعة المغادرة بمطار صنعاء، يستعدون للمغادرة بأدلة ثمينة: أجهزة الكمبيوتر المحمولة ومحركات الأقراص الخارجية التي تم جمعها من موظفي منظمة الصحة العالمية، وقبل أن يتمكنوا من الصعود إلى الطائرة، وصل مسلحوا الحوثي إلى القاعة وصادروا أجهزة الكمبيوتر، وفقًا لما ذكره ستة من مسؤولي الإغاثة السابقين والحاليين، وكانت الأجهزة والأقراص تحتوي على دليل فساد واحتيال داخل مكتب الأمم المتحدة في اليمن.
وحصلت الوكالة الأمريكية على وثائق تحقيق تابعة للأمم المتحدة، وقابلت ثمانية عمال إغاثة ومسؤولين حكوميين سابقين لإنجاز هذا التحقيق، وحسب الوثائق فإن المراجعين الداخليين لمنظمة الصحة العالمية يحققون في مزاعم تفيد بأن أشخاصاً غير مؤهلين قد تم توظيفهم في وظائف ذات رواتب عالية، وتم إيداع ملايين الدولارات في حسابات مصرفية شخصية للعاملين، وتمت الموافقة على عشرات العقود المشبوهة دون الأوراق المطلوبة، واختفت أطنان من الأدوية والوقود المتبرع بهما.
موظفون لرعاية “كلب”!
وبدأ التحقيق الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في مكتبها في اليمن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بمزاعم سوء الإدارة المالية ضد نيفيو زاغاريا ، وهو طبيب إيطالي، وكان رئيس مكتب صنعاء في الوكالة من 2016 حتى سبتمبر 2018 ، وفقًا لثلاثة اشخاص لديهم معرفة مباشرة بالتحقيق، وجاء الإعلان العلني الوحيد عن التحقيق في جملة مدفونة في 37 صفحة من التقرير السنوي للمدقق الداخلي لعام 2018 للأنشطة في جميع أنحاء العالم. ولم يذكر التقرير زغاريا بالاسم.
وصل زاغاريا، وهو موظف في منظمة الصحة العالمية منذ 20 عاماً، إلى اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2016، بعد أربع سنوات قضاها في الفلبين. وقد حظي بإشادة واسعة النطاق لتعامله مع استجابة الوكالة لإعصار هايان في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وبسبب عمله خلال الإعصار، بدا زغاريا الشخص المثالي لقيادة الجهود الإنسانية للوكالة في اليمن، وهي عملية واسعة النطاق، تقدم الدعم لأكثر من 1700 مستشفى ومركز صحي في جميع أنحاء البلاد.
ولكن منذ البداية، قال ستة موظفين حاليين وسابقين إن مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن تحت قيادة زاغاريا كان مليئاً بالفساد والمحسوبية، وقال ثلاثة أفراد ممن تحدثوا الى وكالة الاسوشيتد برس إن زاغاريا جلب موظفين صغار عملوا معه في الفلبين وقام بترقيتهم إلى وظائف ذات رواتب عالية لم يكونوا مؤهلين لها، اثنين منهم طالب جامعي فلبينى ومتدرب سابق – تم منحهما مناصب عليا، بيد أن دورهما الوحيد كان رعاية كلب زاغاريا.
ووجد التقرير، الذي صدر في 1 مايو/أيار أن الضوابط المالية والإدارية في مكتب اليمن كانت “غير مرضية” – أدنى تصنيف لها – ولاحظت وجود مخالفات في التوظيف وعقود عمل دون منافسة ونقص في الرقابة على المشتريات، وتحدث الأشخاص إلى الوكالة عن التحقيقات، شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام.
وقال مسؤول إغاثي سابق، إنّ “الموظفين غير المؤهلين الذين يتقاضون رواتب مرتفعة يقوّضون نوعية العمل ومراقبة المشروعات، ويخلقون ثغرات كثيرة من أجل الفساد، مضيفاً أنه “اعتمد زاغاريا أيضاً عقوداً مشبوهة دون توفير عطاءات تنافسية أو تقديم وثائق إنفاق”.
ووفقاً للوثائق الداخلية، تم الاتفاق مع شركات محلية لتقديم خدمات في مكتب عدن التابع لمنظمة الصحة العالمية، تبين أنها تضم أصدقاء وأفراد عائلات موظفي منظمة الصحة العالمية وبتكلفة إضافية مقابل الخدمات، ووفقًا لعدد من الأشخاص الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشييتد برس، فإن العلاقات الوثيقة بين موظفي الأمم المتحدة والمسؤولين المحليين على جانبي النزاع شائعة.
فضيحة تدمر حياد الأمم المتحدة
وقال تقرير سري صادر عن لجنة من خبراء الأمم المتحدة حول اليمن، حصلت عليه وكالة أسوشييتد برس، إن سلطات الحوثيين تضغط باستمرار على وكالات المعونة، مما يجبرهم على توظيف الموالين، وقال المسؤولون إنه من غير الواضح عدد الموظفين الذين يساعدون الحوثيين، وأضافوا أن العديد من الحوادث في السنوات الأخيرة تشير إلى أن موظفي الأمم المتحدة ربما تورطوا في سرقة إمدادات المساعدات.
وتظهر التقارير الداخلية للأمم المتحدة في عامي 2016 و 2017 التي حصلت عليها وكالة الأسوشييتد برس عديد حوادث التي اختطف فيها الحوثيون الشاحنات التي تحمل الإمدادات الطبية من محافظة تعز التي تمثل ساحة المعركة. تم تسليم الإمدادات لاحقًا لمقاتلي الحوثيين على الخطوط الأمامية الذين يقاتلون التحالف الذي تقوده السعودية أو يتم بيعها في الصيدليات في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية.
ورحب نشطاء يمنيون بالإجراءات التي اتخذتها وكالات الأمم المتحدة، لكنهم اعتبروا أنها لا ترقى إلى مستوى التحقيقات اللازمة لتتبع ملايين الدولارات من الإمدادات والأموال، من برامج المساعدات التي فقدت أو تم تحويلها إلى خزائن المسؤولين المحليين على جانبي الصراع منذ بداية الحرب.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، قام النشطاء بحملات على الانترنت للمطالبة بالشفافية في المساعدات، حملت عنوان ” أين الأمول؟!” #وين_الفلوس ويطالبون الأمم المتحدة والوكالات الدولية بتقديم تقارير مالية حول كيفية تدفق مئات الملايين من الدولارات على اليمن منذ عام 2015 وأين تم انفاقها، و في العام الماضي قالت الأمم المتحدة إن المانحين الدوليين تعهدوا بتقديم ملياري دولار للجهود الإنسانية في اليمن.
ويرى منتقدون أن هذا الفساد يهدد شريان الحياة الدولي، الذي تعتمد عليه غالبية سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، وقال مسؤول أممي ساعد في إعداد التقارير “كان من الواضح أن هناك بعض الأفراد الذين كانوا يعملون مع الحوثيين وراء الكواليس لأنه كان هناك تنسيق بشأن حركة الشاحنات، واعتبر مسؤول آخر أن عجز الأمم المتحدة أو عدم رغبتها في معالجة الفساد المزعوم في برامج مساعداتها يضر بجهود الوكالة لمساعدة اليمنيين المتأثرين بالحرب، وقال مسؤول المساعدات “هذا أمر فاضح لأي وكالة ويدمر حياد الأمم المتحدة”.
المصدر| يمن ستوري/ خاص