في صنعاء .. إعدامات جماعية تهدد السلام وتنذر بثارات مستقبلية
أثار قرار المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء الذي يقضي بإعدام 30 معتقلا يمنيا، موجة واسعة من الإدانات المحلية والدولية، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الشجب والاستنكار لهذا الحكم الأول من نوعه في تاريخ اليمن، بحسب وزير الثقافة اليمني الأسبق “خالد الرويشان”، الذي قال إن اليمن لم تعرف حكما قضائيا بهذا الشكل على مر التاريخ.
وأعلنت جماعة “أنصار الله” الحوثيين بشكل رسمي عن القرار عبر وكالة سبأ التابعة لها، وقالت إن منطوق الحكم في الجلسة التي عٌقدت برئاسة القاضي عبده إسماعيل راجح، وبحضور رئيس النيابة الجزائية المتخصصة الدكتور القاضي خالد الماوري ووكيل النيابة القاضي عبدالله الكميم، قضى بالإعدام حداً وتعزيراً بحق 30 متهما بالتخابر مع التحالف العربي، واغتيال قيادي حوثي يدعى “عبدالله الرصاص”، وألزمت المحكمة المحكوم عليهم بتسليم مبلغ ثلاثة ملايين ريال لورثة الرصاص، أغرام التقاضي ومصادرة المضبوطات التابعة لهم والمحرزة لدى النيابة العامة، فيما برأت المحكمة ستة معتقلين آخرين.
وردد المعتقلون قبل بدء الجلسة النشيد الوطني، فيما قابلت أمهات المعتقلين الحاضرات الحكم بالزغاريد والدموع، عقب إصدار الحكم، بحسب مصادر حقوقية، وأثارت أحكام الإعدام هذه ردود فعل غاضبة في أوساط اليمنيين، الذين رأوا في هذه المحاكمات استمرارا للنهج الدموي الذي قامت عليه جماعة الحوثي في التعامل مع مخالفيها.
ضربة لاتفاق السلام
بدورها أدانت منظمة العفو الدولية قرار المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، وقالت المنظمة في تغريدة نشرتها بموقع “تويتر” إن الحكم بالإعدام على 30 ناشطا سياسيا، يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وطالبت بإلغاء تلك الأحكام التي وصفتها بالجائرة وإطلاق سراح النشطاء فورا.
وقالت منظمة سام الحقوقية في جنيف إن أحكام الإعدام هذه منعدمة قانونيا ولا قيمة لها، وتشكل جنايات في سجل أصحابها من منتحلي الصفات الرسمية للقضاة وأعضاء ورؤساء النيابة وغيرهم من الجناة، وأكدت أن المحكمة التي أصدرت الأحكام فقدت صفتها القضائية بموجب قرار صادر عن مجلس القضاء الأعلى، فضلا عن الإخلال بمبادئ المحاكمة العادلة، وفق تعبير البيان، واعتبرت أن هذه الأحكام تؤكد أن جماعة الحوثي غير جادة في تنفيذ اتفاق السويد، المتعلق بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، وتزيد من فقدان الثقة بين طرفي المفاوضات.
وطالبت المنظمة المجتمع الدولي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بالضغط على الحوثيين بشكل عاجل للإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيا دون قيد أو شرط، ووقف جميع المحاكمات المنعدمة، وتحدثت عن مخالفات جسيمة أثناء جلسات المحاكمة، تمثلت في انتهاك أبسط القواعد القضائية الضامنة لنزاهة المحاكمة، وحق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم، وتهديد واعتقال محاميهم داخل جلسات المحكمة ورفض تسجيل طلباتهم فضلا عن الاستجابة لها، وتعذيب المتهمين خلال فترة المحاكمة بل وفي القاعات المجاورة لقاعة المحكمة وأثناء انعقاد الجلسات.
ومن ضمن الانتهاكات التي كشفتها المنظمة تغييب الدكتور يوسف البواب عن حضور الجلسة الأخيرة التي حجزت فيها القضية للحكم، وهي الجلسة التي أرغمت فيها لمحكمة هيئة الدفاع بالرد على “تقرير المعمل الجنائي الذي قدم مكتوبا في خمس أوراق، وألزمت المحكمة فريق الدفاع بالرد عليه خلال ساعة واحدة ورفضت طلب المحامين بمنحهم فرصة للاطلاع والرد عليه، كما استمعت إلى رد النيابة في الجلسة نفسها وحجزت القضية للنطق بالحكم، دون النظر لطلبات المتهمين وفريق الدفاع، وهو ما يشكل انتهاكا صريحا وواضحا لقانون العدالة الجنائية، وقواعد المحاكمة العادلة، ويثير مخاوف كبيرة من تبييت النية لإصدار أحكام قاسية ضد المعتقلين المدنيين.
محكمة غير قانونية
واستنكرت وزارة حقوق الانسان التابعة للحكومة المعترف بها دوليا بأشد العبارات هذه الأحكام، وقالت إن إعلان الحوثيين تنفيذ الاعدام خلال 15 يوما من تاريخ اليوم، جريمة يندى لها جبين البشرية، وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمبعوث الاممي الى اليمن بسرعة التحرك لإنقاذهم، وأكدت أنها ستعد بلاغا بهذا الشأن سيقدم للمقرر الخاص المعني بالحق في حرية الرأي والتعبير والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسف.
وشددت رابطة أمهات المختطفين في بيان لها “أن المحكمة الجزائية بصنعاء أصبحت منعدمة الولاية بعد قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (15) 2018م، الذي قضى بإلغائها ونقل صلاحياتها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بمأرب”، وحملت الرابطة المجتمع الدولي وعلى رأسهم الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي ما آلت إليه قضية المختطفين، كما حملت الحوثيين حياة وسلامة جميع المختطفين والمخفيين قسرا”.
وأضاف البيان:”لم يكتفِ الحوثيون من محاكمتهم محاكمة باطلة وهزلية لأكثر من عامين واختطافهم منذ ثلاث سنوات، بل تعرضوا للإخفاء القسري لعدة أشهر تعرضوا خلالها لأساليب وحشية من التعذيب النفسي والجسدي من ضمنها الصعق بالكهرباء والتعليق والضرب المبرح ونزع الأظافر وإدخال الإبر تحت الأظافر وربط الأعضاء التناسلية بالبوابات وإجبارهم على التعري الكامل وشرب مياه المجاري”.
غضب واسع
وانطلقت حملة الكترونية للتضامن مع المختطفين الناشطين دعا إليها صحفيون وحقوقيون، الساعة الثامنة مساء الثلاثاء تحت هاشتاج #اوقفوا_اعدام_الناشطين_السياسيين .
وقال الصحفي اليمني عدنان هاشم على فيسبوك معلقا على أحكام الإعدام: “حكم قاضٍ حوثي بإعدام 30 من خيرة شباب اليمن والتنفيذ خلال 15 يوما”، هذه الجماعة تمعن في نهج خاسر وتفتح أبواب الثارات مع كل يمني.
وأشار الصحفي “عامر الدميني” أن جماعة الحوثي التي كانت تدعي المظلومية وتسوق نفسها كضحية تصدر اليوم عبر محكمة خاضعة لها، أحكاما بإعدام 30 شخصا بتهم باطلة بعد تعذيبهم والتنكيل بهم داخل سجونها منذ سنوات، وأضاف لا شيء يمكن أن يضاهي هذه الجماعة وما تمارسه من إرهاب وتضليل وكذب مس ضررها كل يمني داخل اليمن وخارجه.
وأكد الناشط اليمني ياسر الحسني بأنه يعرف اغلب المحكوم عليهم فهم من خيرة شباب الوطن”، وأشار أن ثلاثة منهم كانوا جيرانا له اختطفتهم الجماعة من بيوتهم ومارست في حقهم أبشع صور التعذيب.
ناشطون وأكاديميون
ومن بين المحكوم عليهم أساتذة جامعيون ونشطاء وصحفيون، وآخرون لاعلاقة لهم بالحرب أو السياسة والمعارضة.
ويعيد “يمن ستوري” نشر أسماء المحكوم عليهم بالإعدام وهم كل من:(نبيل علي راشد العنسي، عبدالله علي حسين المسوري، صدام حسين الروحاني، يوسف صالح علي البواب، عبد العزيز أحمد محمد الحكمي، عثمان عبده حزام النويرة، صدام محمد محمد علي دخان، محمد صالح أحمد مياس، حسام عبد الولي المعلمي، محمد عبد الوهاب محمد الحداد، همدان محمد محمد الضيفي، محمد يحيى محمد العكيري، نصر محمد السلامي، سعد حسن محمد النزيلي، وليد قاسم الزين، خالد داوود النهاري، معاذ أحمد عبد الوهاب نعمان، قابوس يوسف حيدر الشامي، يونس سنان قائد الجرادي، محمد عبده علي الرياشي، محمد إبراهيم الأهدل، رائد محمد الرميش، يوسف الحوري، ماجد صالح أحمد، عزام عبد الغني الضبيبي، مفضل محمد أدهم الشرفي، عبد الله محمد غالب، يوسف أحمد ناصر الكميم، محمد حزام أحمد اليمني، رأفت أمين الحميري).
وحكمت المحكمة ببراءة ستة معتقلين كانت النيابة قد وجهت لهم تهما بارتكاب جنايات في العام 2016م، بينما كانوا معتقلين منذ العام 2015م، مما أوقع القاضي في موقف حرج وحكم ببراءتهم، وهم كل من:(محمد الشيبري، محمد عشال، بشير فرحان، نجم الدين الذيب، عبدالله عبدالباسط الشامي، محمد الجوفي.
وفي قرار منفصل قضت محكمة الاستئناف بصنعاء بالسجن على “أسماء العميسي”، لمدة 15عاماً بعد اختطافها في أكتوبر 2016م من إحدى نقاط التفتيش بصنعاء واخفاءها وتعرضها للتعذيب الشديد والمعاملة السيئة.
وبالتزامن مع هذا الحكم بالإعدام الجماعي توفي اليوم الثلاثاء معتقل تحت التعذيب في سجون الحوثيين، وأكدت مصادر حقوقية وفاة الشاب أيمن المقطري تحت التعذيب في أحد مراكز الإعتقال بالعاصمة صنعاء، ليبلغ عدد المتوفين تحت التعذيب في سجون الحوثيين قد وصل إلى نحو 132 معتقل بحسب إحصائيات وتقارير لرابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسريا في سجون الحوثيين.