تسع سنوات على رحيل فارس الإعلام اليمني
وخيط الود يتمزق بين يمني ويمني، يتفاعل اليمنيون بقوة مع ذكرى رحيل صوت الإعلام الذي لطالما حرص على ألا تتمزق أواصر الوطن، اجتماعياً وجغرافياً.
الإعلامي الإنسان، الذي كلما لاح هلال رمضان، تذكر اليمنيون وجعهم، وجع فقد هامة إعلامية سامقة، نسجت قصة الإعلام الذي يحتاجه المجتمع، قصة ظلت راسخة، ولم يجرؤ أحد على أن يكون بطلاً آخر في ميدانها.
يحيى علي علاو، فارس الكلمة التي حرص أن تبقى حرّة، طاف بأخلاقه السهول وتسلق الجبال، وبذل جهداً جباراً، من أجل أن يقدّم للمتلقي أجمل ما أنتجته الشاشة اليمنية، إذ لم تستطع ويلات الحروب التي تعانيها اليمن أن تأخذها من أذهان الناس.
في ذكرى رحيله، يتحدث اليمنيون بحرقة عن قصة يمنية خالصة، أصرّ بطلها على أن يسجل له التاريخ صفحاتٍ خالدة، لإعلامي وحّد اليمنيين أمام شاشة واحدة، وقدّم أفضل ما يمكن أن يُقدَّم للإعلام اليمني، في التوعية والسياحة واللغة والترفيه.
يتحدث رفقاؤه وزملاؤه ومحبوه عن مدرسة إعلامية فريدة، ترك انطباعاً إيجابياً لدى من عمل معه، أو عرفه، ثرىٌ المعرفة، والاسترسال، غزير العلم، بشوش الوجه، نقي القلب، أعطى برامجه حقها من الإبداع والتميز.
ولد علاو في دمنة خدير بمحافظة تعز، سنة 1962م، عاش كثيراً في مديرية بيت الفقيه بالحديدة، واخذ عن والده الكثير من علوم اللغة العربية والعلوم الدينية، أنهى تعليمه الأساسي والثانوي وحصل على الترتيب الأول على مستوى الجمهورية سنة 79م، قبل أن يلتحق بمدرسة الشرطة العسكرية لأداء خدمة الدفاع الوطني.
درس علاو الإعلام في جامعة في جامعة الملك عبدالعزيز، بجده، وحصل على الشهادة الجامعية سنة 1985م، من قسم الإعلام بكلية الآداب تخصص إذاعة وتلفزيون، وأثناء دراسته عمل في إذاعة جدة مقدماً لبرنامج أوزان الشعر، كما عمل مذيعاً غير متفرغ في إذاعة الحديدة بين عامي 1982م و1985م.
بعد تخرجه عين عضواَ في إدارة الاستعراض، ثم عضواً في إدارة البرامج في الفضائية اليمنية، وعمل على تقديم العديد من البرامج المميزة منها على سبيل المثال لا الحصر، (عالم عجيب) و(قاموس المعرفة) والبرنامج الجماهيري الأشهر على الساحة اليمنية (فرسان الميدان) ، ثم عين مسؤولاً عن البرامج العلمية والتعليمية بدرجة مدير عام.
قدم الإعلامي يحيى علاو العديد من البرامج على قناة السعيدة الفضائية ومنها(أسواق شعبية) و(أهل العزم)، كما واصل تقديمه البرنامج الجماهيري ( فرسان الميدان ) عبرها.
غادر جسد علاو حياة اليمنيين في صنعاء بتاريخ 14يونيو2010م، وشيع جثمانه في موكبٍ جنائزي كان الحزن فيه بارزاً على محيا كل المشيعين.
“يمن ستوري”، وهو يحاول أن يكتب سطراً في صفحة عن نبراس الإعلام، رصد آلاف الصفحات، تكتب شوقاً، وتحكي حباً، وتتفنن قدر استطاعتها، أبدعت وصدقت وهي تتحدث في كل ذكرى، عن صاحب الذكرى العطرة يحيى علاو.
كان الراحل جسداً، الحي روحاً، خيّراً، وإنساناً قبل أن يكون إعلامياً، ملأ التواضع حياته، وزاده الله بالعلم رفعة ومكانة.
وثّق علاو بمعية الطواقم التي عملت معه، مئات المناطق والمواقع والمدن السياحية في الجبال والوديان، سافر إليها لساعات، وعمل لأيام من أجل أن يقدم مادة إعلامية راقية، وفي كل مرة يكون الهم الوطني دافعه، يقول لمن حوله : نحن نقدم إعلاماً وطنياً يستحق العناء.
ومع كل ذكرى عطرة تمر، يطمح اليمنيون أن يجدوا الأصوات التي تحمل رسالة إعلامية جامعة، تدفعهم للخير، ترسم على وجوههم الابتسامة، تجمعهم، تحيي فيهم معاني المحبة والعطاء، وتمنع عنهم الغثاء الذي لطالما تلطخت به وسائل إعلام عدة.
يتحدث لـ”يمن ستوري” رفيق دربه لسنوات، وزميله الإعلامي الأستاذ/ جمالي أحمد حسن قائلاً: لم يكن يحيى علاو مجرد إعلامي مر على المشاهدين مرور الكرام؛ بل كان قامة إعلامية فذة وقيمة إنسانية نادرة ..منذ أن وطات قدماه أروقة التلفزيون حتى أحدثت وقعا لم يحدثه أحد قبله، ومنذ أن أطل على المشاهدين ببرامجه المتميزة حتى حفر لنفسه مكانا في القلوب لا تمحيه السنون مهما تعاقبت.
يتابع جمالي والشجن في كلماته : من أقدار الله الجميلة عليّ أن عرفت يحيى علي علاو عن قرب، ورافقته لسنوات، جمعني به “فراس الميدان” لمدة عشر سنوات، وجمعتنا الزمالة لنحو عشرين عاما ..كنت قريباً جداً منه وترافقنا في الفرسان وفي كثير من البرامج الوطنية التي كان يحرص رحمه الله تعالى أن أكون معه حاضراً فيها إما في طاقم الإعداد أو في الإخراج كما حدث في البرنامج الوثائقي الخاص اليمن سحر الألوان.
يؤكد جمالي أن يحيى علاو اهتم كثيراً بالإنسان، وسعى ما وسعه الجهد ليكون قريباً من البشر، كان يتألم لألمهم، سخر جزءا من برنامجه الجماهيري فرسان الميدان لمساعدة الضعفاء والمساكين والمحتاجين، وكان ظل المحرومين على الأرض، ودائماً ما يقول علاو لزملاءه “المال أمانة وإعطاؤه لمن لا يستحقه مسئولية، وهناك من هم في أمس الحاجة إليه”.
كتب عنه كثيرون، وقال الإعلامي خليل القاهري في مقال له، تحت عنوان “علاو..حين مات الزمان” بعدك ياعلاو .سنوات عجاف يعيشها إعلام البلد..وحدك كنت الفارس ووحده كان الميدان يذعن لانتصاراتك ويعترف بها،ومادونك اليوم ليس سوى صهيل في اصطبلات، وعُواء في ساحات فارغة إلا من صراخ وعويل،بعدك أيها الراحل الغائب الحاضر تعملق الأقزام بلا خجل وانتُهك دستور المهنة.
الخواء الفكري والمعرفي والمهني عمّ وتسيّد،وأسدل الستار بعدك عن محددات المهنة وقيمها،وربما أخلاقها.
ليت روحك الطاهرة تطل علينا من بعيد لتدرك كيف استأثرت الهزلية بالأثير،وغدت مهمة المذيع أيسر يسير،وكيف أصبح حتى تهجي الأسئلة من مذيعين جدّ عسير.
آوت اللغة إلى مثواها متحسرة،والمعرفة في العقول متحجرة،،الزمان بعدك عابر والإعلام عابس.
المصدر| يمن ستوري/ القصة الكاملة