منفذ الوديعة .. كابوس يؤرق اليمنيين ورحلة محفوفة بالموت
بعد أن تجاوز الشاب اليمني أحمد الجابري مسافة ما يقرب من 40 كيلومتراً في الأراضي اليمنية، قادماً من منفذ الوديعة الشريان الوحيد مع السعودية، كان خمسة ملثمين بانتظاره على جانبي الطريق، باشروا بإطلاق النار على السيارة التي يستقلها برفقة اثنين من أقاربه، لينهبوا كل ما في حوزتهم، خلال مرورهم بما بات يُعرف بـ”طريق الموت”، حيث المعاناة التي تبدأ بالمسافة البعيدة للمنفذ، ولا تنتهي عند عصابات قطاع الطرق والنهب ولا بالطوابير الطويلة على أبواب المعبر.
كان توقيت الحادثة هو السادسة والنصف صباحاً في الـ16 من يونيو/حزيران2019 ، وفقاً لما يروي الجابري، حيث كان عائداً إلى اليمن بعد أداء العمرة في مكة المكرمة، ومعه أحد أبناء عمومته وزوجته، قبل أن يصوب الملثمون الأسلحة مباشرة إلى رؤوسهم، ليتم نهب كل ممتلكاتهم من أموال بالعملتين اليمنية والسعودية بالإضافة إلى نهب هواتفهم النقالة ووثائقهم الشخصية، قبل أن يخلوا سبيلهم دون أن يتركوا فلساً واحداً في جيوبهم.
طريق الموت
ويقول الجابري “لا أستطيع وصف شناعة الحادث خصوصاً بوجود العائلة (نساء) معنا، إحساس لا يمكن وصفه، كنا نعتقد أنهم سيتخلصون منا بالقتل خصوصاً انهم باشروا بإطلاق النار على الارض وتوجيه الأسلحة للرأس والصدر”.
بعد مرور ما يزيد عن أسبوع، لا يزال الجابري يتابع قضيته وابن عمه الذي كان يقيم في السعودية منذ سبع سنوات، ويكشف عن أن الجهات الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً في محافظة مأرب، أبلغتهم عن ضبط عصابة مشتبه بتورطها، لكنه تأكد أنها لم تكن المسؤولة عن الهجوم عليه وعلى عائلته.
ويكشف اليمني أحمد صلاح وهو أحد الذين عبروا مؤخراً من اليمن إلى السعودية، تفاصيل من رحلته المضنية، والتي استغرقت أربعة أيام، من مدينة تعز، جنوبي غرب البلاد، وحتى عبور المنفذ، الذي يقول إنه شاهد في طريقه “الموت” ونجا منه، بعدما قفزت السيارة التي كان أحد ركابها من إحدى الحفريات إلى خارج الاسفلت مع فقدان السائق السيطرة عليها، الأمر الذي عادة ما كان سبباً في العديد من الحوادث التي سقطت على إثرها وفيات وإصابات متفاوتة بين المسافرين.
توقف صلاح في منفذ “الوديعة” ليومين متتاليين، بسبب الازدحام “الرهيب”، حسب تعبيره، الذي يبلغ ذروته في المناسبات (كما هو حال عيد الفطر المنصرم)، حيث يصطف المسافرون في طوابير تمتد على مئات الأمتار لإكمال المعاملات وللخضوع لإجراءات التفتيش التي يقول إنها بطيئة، ويفيد خلال ساعتين أثناء تواجده جرى تفتيش ستة باصات و20 سيارة تقريباً.
عبور مذل
من جانبه، يروي عبدالله محمد (28 عاماً)، وهو مقيم يمني في السعودية، تفاصيل سفره من العاصمة صنعاء إلى منفذ الوديعة خلال العام 2018، ويقول إن حواجز التفتيش التي يقيمها الحوثيون كانت الفصل الأول من معاناة الرحلة، حيث يتم التحقيق مع المسافرين لمعرفة هويتاهم وللتأكد من أنهم ليسوا في طريقهم للالتحاق بالشرعية.
ويتابع محمد أنه وبعد أن وصل في اليوم التالي إلى منفذ الوديعة مروراً بطريق “العبر”، توقف في المنفذ اليمني لمدة ثماني ساعات ويقول “لا ندري ما السبب حتى يتم تكديس الباصات بهذه الطريقة وعدم الترتيب”.
أما في المنفذ من الجانب السعودي فيقول “تم إذلالنا ومعاملتنا بأقذر الطرق وبعد تأخر معاملة دخولنا، حاول باص النقل التخلص منا ورمى بنا هناك وواصل المسير”، ويشير إلى أن المعاناة وتكدس المسافرين في المنفذ من الجانب السعودي، تأتي بسبب العراقيل المرتبطة بالمعاملات الخاصة بتأشيرة الدخول.
إقرار بالفشل
من جانبه، أقر نائب وزير النقل اليمني في الحكومة المعترف بها دولياً، ناصر شريف، بوجود العديد من العوائق وراء المعاناة المستمرة، بما فيها أن تصميم الميناء البري (في الوديعة)، كان على أساس أنه ميناء ثانوي من الدرجة (ب).
ويقول شريف إنه “مع زيادة الحركة في الوديعة تم اعتماده ميناء رئيسياً بزيادة إعداد الطواقم العاملة، مع بقاء المسارات كما هي مسار واحد فقط، مما سبب الازدحام عليه من الحجاج والمعتمرين والزوار المغتربين، ونقل المساعدات الانسانية والإغاثية عبر هذا الميناء، والذي بات الشريان الوحيد بين البلدين، بعد إغلاق ميناء الطوال البري الرئيسي (بمحافظة حجة غرباً ) ومينائي علب والبقع (بمحافظة صعدة شمالاً)، بالإضافة الى “عدم تشغيل الميناء الذي تم إنشاؤه قبل بالوديعة”.
وعلى الرغم من مرور سنوات، على اعتماد “الوديعة” منفذاً رئيسياً، يرى يمنيون أن هناك تقصيراً واضحاً بحل المشكلات المزمنة في الميناء، وفوق ذلك تبخرت الوعود الذي أطلقها مسؤولون بالعمل على إعادة فتح المنافذ الأخرى.
ويؤكد نائب وزير النقل اليمني، في السياق ذاته أن هناك تواصلاً مع الجانب السعودي لـ”التعاون وتذليل الصعوبات للعابرين بهذا الميناء الحيوي”، ويقول إن وزاته تعمل على ترميم الطريق الدولي إلى الميناء كما تنسق مع “الأشقاء في المملكة لفتح المنافذ البرية التي تحررت”، إشارة إلى تلك الواقعة بمناطق اُنتزعت فيها السيطرة من الحوثيين.
ويقر شريف بوجود جوانب قصور تحدث عنها “بشفافية”، حسب تعبيره، وتتمثل بعدم وجود نظام آلي (الكتروني) إحصائي دقيق، وعدم وجود أكثر من مسار لمرور الشاحنات الإغاثية والتجارية وآخر للمسافرين، كما أشار إلى إشكالات تتعلق بتأهيل الكادر المسؤول عن الميناء بما يتناسب مع كونه شرياناً وحيداً للحركة بين البلدين، وصولاً إلى الفساد المتعلق بغياب الرقابة على الميناء وخصوصاً في المنفذ العسكري.
ويشدد المسؤول اليمني في سياق حديثه عن المعالجات المطلوبة على أهمية “منع مرور شاحنات الاغاثة من المرور عبر المنفذ العسكري وضبط عمليات الفساد المصاحبة لهذا الإجراء الخارج عن النظام”، ويقول إنه “اتضح خروج شاحنات كثيرة (من الجانب السعودي) عبر المنفذ العسكري تحت اسم قوافل الاغاثة وتحتوي على بضائع تجارية في داخل شاحنات الإغاثة”.
شريان وحيد
لقد وضعت الحرب في اليمن سكان البلد الفقير في الخليج أمام صعوبات ومعاناة لم يعرفوها من قبل، حتى المعابر على دول الجوار صارت تشكل مصدر خطر وقلق، كما هو الحال مع معبر “الوديعة” المنفذ الوحيد حاليا إلى السعودية.
وحتى مطلع العام 2015، كان منفذ “الوديعة” التابعة إدارياَ لمحافظة حضرموت شرقي البلاد، هامشياً لبعده الجغرافي عن مناطق الكثافة السكانية وأغلب المدن المركزية، لكنه وبسبب الحرب التي تصاعدت منذ سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على صنعاء في سبتمبر/أيلول2014، ثم تدخل التحالف بقيادة السعودية في مارس/آذار2015، تحول إلى شريان وحيد بين البلدين اللذين يرتبطان بأكبر شريط حدودي بالنسبة لكليهما، ويتواجد ما يقرب من مليوني يمني بالسعودية (عمالة يمنية)، بالإضافة إلى الحركة التجارية والمسافرين لأداء الشعائر الإسلامية (الحج والعمرة) في الأراضي المقدسة.
السفر عبر المنفذ الوحيد، يمثل رحلة معاناة تشمل المسافة الطويلة وحواجز التفتيش والحفريات على طريق “العَبَر” الواصل إلى المنفذ والذي يتسبب بحوادث سير متكررة دفعت البعض لوصفه “طريق الموت”، مع مخاطر عصابات قطاع الطرق وهجومهم على المسافرين، وصولاً إلى الازدحام على أبواب المنفذ، الذي لا يتمتع بالبنية التحتية اللازمة لاستيعاب كامل حركة التنقل بين البلدين.
الجدير بالذكر، أن ميناء الوديعة يبعد عن العاصمة صنعاء، مسافة ما يقرب من 500 كيلومتر، يمر فيها المسافر بعشرات حواجز التفتيش على جانبي الصراع العسكري والسياسي، الحوثيين والقوات الحكومية، أبرزها في محافظة “البيضاء”، حيث الحد الذي يفصل بين سيطرة الجانبين.
المصدر| DW عربية