موائد رمضان تفتقد اللمة الأسرية في اليمن بعد أن شتتها الحرب
مع مرور أربعة سنوات ونصف على بدء الحرب في اليمن، انقلبت حياة الناس رأساً على عقب، وتشتد وطأة المصيبة في شهر رمضان إذ لم يعد بإمكان معظم العائلات اليمنية من الاستمتاع بالشهر، والاجتماع بعائلاتهم، إما لضيق الوضع المادي، أو لغيابهم، بين مقتول، أو مسافر، أو معتقل. وبطبيعة الحال، بحكم الأزمة الغذائية، الفقر المدقع الذي يعانيها معظم اليمنيين، تغيب بشكل كامل الأطباق الرمضانية التقليدية عن الموائد، إذ تم استبدالها بالضرورات الأساسية لسد الجوع.
ونقلت صحيفة “القدس العربي” عن العديد من اليمنيين قولهم، إنه لم تعد أطباق ووجبات شهر رمضان الحالي، نفس الوجبات والأطباق التي كانوا يتناولوها قبل الحرب، وذلك بسبب تغير الأحوال المعيشية وانعدام المواد الأساسية للمواد الغذائية. وقال محمد علي المرفدي، وهو موظف قطاع حكومي: «لم يعد رمضان في بلادنا، ذلك الشهر الفضيل الذي كنا نعرفه منذ طفولتنا ونتشوق الى استقباله منذ أن عرفنا أنفسنا (…) حيث أصبح مثل بقية الشهور مع فارق الزيادة في الأسعار وفي ساعات الإمساك عن الطعام».
وأوضح «لم تعد الوجبات الرمضانية المعهودة، تزيّن الموائد اليمنية، نظراً لانعدام القدرة الشرائية لدى الغالبية العظمى من اليمنيين ما يمنعهم من شراء موادها ومكوناتها الأساسية وخاصة التي تحتوي مكوناتها على اللحوم».
وأضاف «أصبح حال الواحد منا في رمضان وكأنه عابر سبيل وليس مواطن في هذا البلد منذ طفولته، حيث لم يعد بمقدوره شراء أي شيء إلا في إطار المواد الأساسية جداً، لسد الجوع والعطش، والتي أصبحت حتى هذه المواد صعبة المنال ولا يمكن الحصول عليها الا بطلوع الروح «.
وأشار سعيد القرشي، وهو مدرس، الى أن «الحرب اليمنية قلبت موازين كل شيء في حياة اليمنيين في رمضان، ابتداء من وجبة الافطار، مروراً بوجبات العشاء والسحور وانتهاء باللمة العائلية، التي أفقدت الفرحة عن الموائد الرمضانية».
وذكر أنه لم يعد في أغلب اليمن أسرة قادرة على لم الشمل والاجتماع العائلي حول المائدة الرمضانية، بالاضافة الى عجزها الشديد عن إعالة نفسها، إلا بعض الميسورين من التجار أو بعض تجار الحروب، الذين لم تؤثر فيهم الحرب كثيراً أو وجد بعضهم من الحرب فرصة لكسب العديد المغانم والعائدات المالية التي لم تكن في وسعهم الحصول عليها، إلا في ظل الحرب، ومنهم قيادات جماعة الحوثي الذين حولو صنعاء والعديد من المدن الرئيسية الى سوق سوداء لهم لبيع المواد الأساسية كالدواء والغذاء والنفط وغيره.
وقالت بلقيس المقداد، ربّة بيت، أنه غابت بشكل شبه كلي عن الموائد الرمضانية اليمنية، العديد من الأطباق التقليدية الرمضانية، مثل الصيادية، الكبسة، العَقدة، السلتة، الرّواني والفتّة وحتى الشفوت في الكثير من الأحيان.
وأرجعت أسباب ذلك الى ندرة المواد المكونة لهذه الوجبات في الأسواق أو لعدم القدرة الشرائية لأرباب الأسر في شرائها، نظراً لانقطاع الرواتب وفقدان الوظائف وانعدام مصادر الدخل، وانتهاء المدخرات لدى أغلب اليمنيين الذين صرفوا كل ما كان لديهم من مدخرات خلال السنوات الماضية من الحرب بما في ذلك مجوهرات النساء وأثاث المنازل والأشياء التي كانت تعد من الكماليات.
وأكّدت أنها اضطرت الى بيع كل مدخراتها بما في ذلك مجوهراتها الشخصية خلال سنوات الحرب الماضية من أجل توفير المواد الأساسية جداً لاستمرار الحياة لها ولأولادها الستة، والتي كانت تتوقع أن الحرب لن تدوم طويلاً وأنه سيأتي يوم ويعود كل شيء الى سابق عهده وتعوّض كل ما اضطرت إلى بيعه، ولكنها فقدت الأمل حالياً في عودة الوضع الى ما كان عليه وأن الوضع كل يوم يسير من سيء الى أسوأ. وذكر محمود الشميري أن المرارة أصبحت تعتصر قلب كل رب أسرة في أغلب مناطق اليمن، عند كل مائدة رمضانية، إما بسبب عجز أرباب الأسر عن توفير المتطلبات الأساسية لشراء المواد الغذائية الرمضانية وإما لفقدان أو غياب حبيب من أفراد العائلة عن المائدة الرمضانية للعائلة.
وقال «الألم يعتصر قلبي في كل ليلة وعند كل مائدة رمضانية، حيث فقدت أحد أبنائي خلال هذه الحرب المجنونة، وأتذكره وأتذكر شبح صورة المكان الذي كان يجلس فيه في رمضانات الاعوام السابقة، كما فقدت الكثير من الأسر أحد أفراد عائلتها في هذه الحرب والتي تذكرهم الموائد الرمضانية بهم».
وأشار الى أن الأسر التي سلمت من فقدان أحد أفراد عائلاتهم في هذه الحرب، غابوا عنها باضطرارهم الى الغياب القسري بالنزوح الى مناطق أخرى آمنة داخل اليمن، أو اضطروا الى مغادرة اليمن برمته، الى المنافي والشتات والذين لم يعد الكثير منهم قادرا على العودة إما بسبب الضائقة المالية أو سوء الحال الذي وصلوا اليه لعدم حصولهم على فرص عمل في الخارج أيضا.
(القدس العربي)